قبل ستة أعوام هرب المصلون من جامع عبير الإسلام في القاهرة، أثناء خطبة الجمعة. بعد صلاة المغرب كان شاب يمني، يفضل أن يتحدث بالفصحى، يخبر المصريين أمام المسجد عم حدث ظهيرة ذلك اليوم. عندما اقتربنا منه أنا وهشام الحربي سمعناه يقول: أما أنا فقد فررت فرار الأسد. مازحه الحربي عن بعد: يا محمد أمين، ما فيش أسد يهرب. لكن الأسد يهرُب الآن. يختفي في ظروف غامضة، وهذا ما تنبأ به محمد أمين قبل ستة أعوام. يجلس الأميركيون والأوروبيون الآن أمام شاشات سرية تنقل المشهد السوري بالأقمار الاصطناعية. حتى الدبابة البالية تظهر في حجم أكبر من الذبابة. كل سوريا على الشاشة، يا محور الممانعة المثير للضحك! شوهدت قبل أيام عملية إعادة توزيع للجيش السوري النظامي. شعر الأميركيون بالتوتر وأعطوا إشارات ما لا نعرف عنها شيئاً. على الحدود مع لبنان يتوقع الأوروبيون والأميركان عمليات تهريب للأسلحة الإستراتيجية كما حدث بين صدام والأسد. الصور تراقب مخازن الأسلحة الكيميائية بدقة. خبير أميركي في الأسلحة الإستراتيجية قال قبل يومين: لا خوف من مهاجمة هذه المخازن الآن، فمن المرجح أن تحترق المواد الكيميائية أثناء عمليات التفجير.. تعيش قطر والسعودية الآن أعلى درجات الوئام. فهما تريان سقوط أجنحة إيران خارج حدودها وشيكاً. بالنسبة للدولتين فلا أمنية الآن أفضل من خروج إيران عن الفاعلية. ليس لذلك سوى تفسير وحيد: إن إيران لا تريد أن تعيش بسلام، ولا تترك أحدا. يجادل روبرت فيسك في الإندبندنت: حلب أخطر من دمشق، فسقوطها يعني انهيار الحلف الكلاسيكي بين التجار السنة والنظام العلوي. فضلاً عن أن حلب، يقول فيسك، بها أكبر مركز أبحاث زراعية في العالم. أما الثوار فهم يحيطون الآن بحلب من كل جهاتها. قبل أربعة أشهر كتب متظاهر في كفر نب�'ل، في إدلب، لوحة عليها عبارة: لن تقوم حلب ولو شربت فياغرا. لكنها قامت الآن، وها هي توزع الفياجرا في أحياء دمشق وعلى الحدود. قرية الحوش السنية يسكنها 7 آلاف مواطن، تقع إلى القرب من جبل العلويين في حماة. مؤخراً هاجمها الطيران الحربي رغم خلوها من المسلحين. تكررت العمليات في مناطق أخرى. النظام يستعد لتهجير السنة من مناطقة كمقدمة لإعلان دولته الطائفية. صحيفة إسرائيلية توقعت قبل عشرة أيام: لن يستطيع الأسد الفرار، فطائفته ستمنعه عن ذلك. العالم يتوقع سقوط الأسد، حتى الأسد نفسه. قبل أيام وافق سراً على التنحي شريطة أن لا يبدو كهزيمة. سفير روسيا في فرنسا أحرق المشهد بتصريحه المستعجل. يتوقع مدير تحرير قناة العربية: تماماً كما حدث مع صدام حسين، حين وافق على العرض الإماراتي المطروح على القمة العربية لكن سفيره أعلن "لا يمكن لصدام أن يستسلم" فتورط صدام في المقامرة حتى النهاية. أميركا أغلقت الدفتر الدبلوماسي بشكل نهائي وأعلنت، كما يقول متحدث في البيت الأبيض، أن تتصرف منفردة وبالتعاون مع الدول التي تتفق معها في التفكير. قال مسؤول أميركي: سترون فارقاً كبيراً في ميزان العمليات العسكرية في الشهرين القادمين في سوريا. أما روسيا فدولة هشة وضعيفة تتمد على 17 مليون كيلو متر مربعاً، لكنها لا تصنع "موبايل" جدير بالمنافسة. أحلام لاعب الغودو لا يسندها الاقتصاد الهش. وعندما احترقت غاباتها قبل ثلاثة أعوام رفع الستار عن حقيقة الدولة: فمن حاصل أكثر من 40 طائرة كانت تراقب الغابات لم يتبق سوى طائرتين، تقريباً. فما تبيعه هذه الدولة من السلاح في عام كامل أقل من مبيعات "غالاكسي 2، غالاكسي 3" لكوريا الجنوبية في نصف عام "بلغت في النصف الأول من هذا العام حوالي 470 مليون جهازاً ذكياً".. لدى الأسد ما يخسره، بالنسبة للثوار: لقد فقدوا أخطر عناصر الهزيمة: الخوف. تقول التقارير الغربية: يوجد في سوريا الآن قرابة 100 فصيل يقاتل النظام السوري. وهذا يجعل من عملية التدخل السريع والإجهاز على هذا الوحش المريض أمراً ملحاً. تخش أميركا ومعها إسرائيل أن تصل أيادي بعض التنظيمات الجهادية إلى مخازن السلاح الكيميائي أو البيولوجي. حتى تركيا تشاركها الخشية. ترددت أميركا 16 شهراً في في إغلاق كراسة العملية السياسية السورية حتى قلب الثوار الموازين وانتشروا كالأمزان في كل سوريا واقتربوا من مبنى المخابرات في حلب، ودخلوا الأمن القومي في دمشق.. سوريا تنتصر، بالله ثم بنفسها، وكذلك بالأميركان والأتراك. في الشهر الرابع من الثورة اليمنية كتبتُ: أتشوق لرؤية الطيران الحربي الفرنسي يحوم فوق صنعاء، يحررها من المستعمرين المحل�'يين الهمجميين.. لكن الطيران الفرنسي لم يأتِ لأننا كنا أكثر شعوب الأرض أناةً وحلماً! نفعل كل شيء لأجل أن لا نريق الدم الحرام. حتى إننا أوقفنا الثورة في الطريق وذهبنا نتحدث حول الكهرباء وقائمة السفراء. ومنذ تنحي صالح وحتى الآن مات لنا أضعاف الذين قتلهم صالح في حربي الحصبة وتعز. وبالطبع، قتلهم صالح بعد تنحية بطرقه الخاصة. وكان ذلك هو الدم الحرام الذي لطالما خشينا إراقته في ساعة الحقيقة. سيكون لدخول الأميركان في المشهد السوري تكاليف وأتعاب. لا بأس، فنحن ندفع تكاليف و"مصاري" مقابل كل شيء، حتى مقابل دخول الحمام. الله سورية حرية وبس.