فيما ينتظر مرضى السرطان الموت المحتم في حوش المركز الوطني لعلاج الأورام الذي لجئوا إليه لإنقاذ حياتهم يحتدم الصراع في الأروقة الإدارية للمركز بين الموظفين الرافضين لعودة المدير السابق للمركز د. نديم محمد سعيد والمنحازين إلى المدير الجديد د. علي الأشول الذي كلف من وزارة الصحة بإدارة المركز بعد غياب المدير السابق وسفره. وعلاوة على معا يعانيه المركز من تدهور واختلالات تهدد المخاطر الحتمية حياة عشرات المرضى الذين لا يملكون حيلة غير الهروب بأنفسهم نحو المركز الذي يعتبرونه أملهم الوحيد وملاذهم الأوحد. يبدو المشهد مؤلما بين مدير مكلف يجلس على مستنقع من الاختلالات وموظفين لا يملكون حيلة غير تأييد المدير ورفض سابقه وانتظار ترجمات الرئيس هادي وحكومة الوفاق لمفردات التغيير والتغييرات العميقة ومدير سابق يقف خارج البوابة يبذل قصارى جهد لمحاولة الدخول ويستعين بكل الوسائل للعودة إلى منصبه، فيما يتحدث العاملون بالمركز عن استعانة المدير بمسلحين وبلاطجة ينفي المدير ذلك ويقول إنه وصل المركز ومعه قرارا رسميا بالعودة إلى منصبه ويقول إن تلك القرارات هي سلاحه الوحيد. يبذل المدير السابق جهدا مضاعفا لطرق أبواب طرفي حكومة الوفاق ومحاولة إقناع كليهما بأنه منهم وأنه فر إليهم خشية فتك الطرف الآخر –هكذا يقول العاملين بالمركز. تعتبر مذكرة صادرة عن وزارة الشئون القانونية ومن الوزير الجديد د. محمد أحمد المخلافي (28 ديسمبر 2011م) أن المدير الجديد يمارس عمله دون سند شرعي، وتؤكد حق المدير السابق في العودة لمباشرة وظيفته الأصلية. وتؤكد أن قرار تكليف المدير اللاحق "منتهيا بمجرد عودة المذكور –شاغل الوظيفة الأصلي- لشغل وظيفته. ومذكرة أخرى موجهة من وزير حقوق الإنسان حورية مشهور (31 ديسمبر 2011م) إلى وزير الصحة تطلب منه "تمكين المذكور أعلاه لعمله مدير عاما لمركز الأورام" استندت الوزير إلى مذكرة الشئون القانونية واعتبرتها فتوى قانونية. وعلى عكس وقوف الوزارتين في صف المدير السابق يرفض العاملون في المركز عودة المدير ويصدون على ضرورة التغيير أكان ذلك بالمدير الجديد المكلف أو بغيره، تلك شواهد ما يحدث خارج سور المركز. المشهد داخل سور المركز يختلف كثيرا عن التحشيد القانوني والحكومي خارج السور الذي يجتهد المدير السابق على كسبه وعن حالة الشلل التي تفتك بالمركز وبالمرضى الرقود في غرفه الموحشة. نتحدث عن حشد من المرضى المغلوبين على حالهم، المرضى العالقون في حوش المركز بين مخاوف العودة وعناء البقاء في عراء المستشفى، ومن حالفه الحظ والخطوة في الدخول صار يتمنى الخروج هو الآخر والانتقال إلى فصل آخر من فصول الاحتضار القاهر. يعيش المركز أسوأ حالاته ونزلاءه يشكون عدم توفر الأدوية والإمكانات العلاجية اللازمة التي أنشئ لها المركز. المشاهد والشواهد تؤكد نذر كارثة إنسانية بكل ما تحمله الصورة من قتامة. وإذا ما عدنا إلى الصراع الإداري المحتدم فإن المدير السابق نديم سعيد ينفي بشدة حضوره بمسلحين ومحاولته اقتحام المركز ويستند إلى القرارات والنصوص الرسمية والتوجيهات الحكومية التي نجح في جمعها. مقابل تأكيد الموظفين على وصوله برفقة مسلحين وبلاطجة إلى المركز وفشله في الدخول أمام إجماع العاملين على منعه ووقوفهم في وجهه. ويؤيد رواية الموظفين للحادثة ما ورد بين أسطر محضر مركز شرطة العلفي الذي لخص الواقعة يتحدث المحضر المؤرخ ب(12 مارس 2012م) عن مجموعة ثانية كانت تقف أمام بوابة المركز من الخارج في حوش المستشفى الجمهوري، ويضيف "لوحظ حمل المؤيدين للدكتور نديم هراوات في أيديهم وأعصي وتم استخدامها في محاولة الدخول بالقوة إلى المركز مما أدى إلى احتكاك الخدمات الأمنية بهم وتسليبهم بعض الهراوات وتفريقهم ما أدى إلى انسحاب الدكتور إلى مجلس الوزراء لإحضار أمر صريح بالقوة حسب إفادتهم". هكذا قال المحضر. فساد مكشوف تحكي الوثائق والمستندات الرسمية على فساد طبي كبير داخل المركز وتلاعب بالأدوية واستيراد أصناف مهربة وممنوعة رسميا ومغالطات في الاتفاقيات وتلاعب بشرائع المناقصات. تتحدث مذكرة موجهة إلى الهيئة العليا للأدوية يطلب فيها المدير السابق للمركز الإفراج عن أصناف من الأدوية ويؤكد أنها جزء من المناقصات العامة للمركز للعام 2010م وتبين أنها لم تورد إلى المخازن ولم تكن ضمن المناقصات. وفوق ذلك يظهر أن من بين الأصناف التي طالب المدير الهيئة بالإفراج عنها صنف مهرب وممنوع بيعه وفق تحذير صادر عن الهيئة، وتظهر المذكرة أن كمية العلاج المزور (3000) درزن. وتحكي مذكرة صادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن توريد المركز لأدوية بالمخالفة للمناقصات ومن شركات غير الشركات التي أعلنت في المناقصات وبما قيمته تزيد عن 2 مليون دولار. وتلك الأدوية المستوردة تخالف المواصفات المعلنة ومن شركات غير المتفق عليها وغير الشركات التي رست عليها المناقصات. وتتحدث مذكرات صادرة عن وزارة المالية عن مخالفات كبيرة في المركز وعدم التزام بأعراف وثوابت المناقصات. كما تتحدث الوزارة مثلا عن صرف مبالغ مالية كبيرة بالمخالفة للصلاحيات، منها صرف 12 مليون ريال لضيافة الوفد الطبي الزائر المشارك في فعاليات المؤتمر الخليجي الرابع لمكافحة السرطان، وتم ذلك دون موافقة مسبقة من وزير الصحة وتم الصرف من حساب الدعم الشهري الحكومة "بالمخالفة للقوانين والقرارات والتعليمات النافذة" كما تقول الوزارة وتؤكد أن مهمة استضافة المؤتمر تكفلت بها المؤسسة الخيرية لمكافحة السرطان. وتتحدث وثيقة صادرة عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة 10/4/2011م عن مخالفات كبيرة في صفقة شراء أدوية كيماوية وبيولوجية وهرمونية داعمة لعلاج الأورام السرطانية التي بلغت قيمتها أكثر من 863 مليون ريال. وتتحدث الوثائق عن منح إعفاءات جمركية بالتحايل على مصلحة الجمارك رغم أن المناقصات والعقود تنص على أن الشركة الموردة هي من تتتحمل توريد الأدوية إلى مخازن المركز. كما تتحدث عن مخالفات إدارية وتجاوز للصلاحيات والمخالفة لقرار إنشاء المركز وقرارات مجلس الوزراء وصرف مبالغ مكررة ومزدوجة. وتكشف الوثائق عن فساد في تنفيذ مشروع مبنى المركز الذي نص الاتفاق على أن يتم تنفيذه جوار المبنى الحالي في حين تم تنفيذ مشروع المرحلة الثانية بمنطقة الجرداء، تم تغيير موقع المشروع بدون موافقة اللجنة العليا للمناقصات بالإضافة إلى عدم وجود تكلفة تقديرية للمشروع. وتتحدث وثيقة صادرة عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن تأخير تسليم موقع المشروع لسنتين من تاريخ إبرام العقد في 2/12/2008م. وتتحدث وزارة المالية عن عدم تشكيل لجان خاصة بالمناقصات وفق القانون وعدم تنفيذ المرحلة الثانية من المشروع رغم مرور أكثر من ستة أشهر على تسليم الموقع. ما يعني أن المناقصة رغم المخالفات فيها نزلت على أساس أن المبنى داخل المستشفى الجمهوري. عدم الالتزام يفشل المشروع تتحدث الوثائق عن عدم الالتزام بأحكام القوانين في عملية شراء المعجل الخطي ما أدى إلى فشل المشروع وعدم استفادة المركز من الجهاز المهم في علاج مرض السرطان. وتم التعاقد على توريد الجهاز في 28/11/2006م وبمبلغ يزيد عن مليون ونصف دولار وتم تجميد مبلغ 400 مليون ريال كانت مخصصة من الموازنة العامة كجزء من القيمة.