كل صباح وأنا أشاهدها لا أدري لماذا أرق قلبي لها هيأتها .. نظراتها .. وطباعها كل شيء فيها ينم عن أنها لم تكن بهذا الازدراء الذي هي فيه الآن . حتى أطفالها الملتفين حولها شعرت بجوعهم بحرمانهم , وبالصقيع الملتف حول أجسادهم تمنيت أن أحادثها أن أكسر حب الاستطلاع الذي بداخلي لفهم ما بها ولكن ! ؟ هناك شيء يمنعني لا أدري ما هو ربما أخاف أن أتدخل بشيء لا يعنيني . * * * أشرقت شمس صباح ذلك اليوم وكعادتي أستعد للذهاب إلى عملي وعند خروجي من الباب فجأة !! رأيتها إنها هي تلك المرأة التي جذبت انتباهي لفترة رأيتها أمامي تمديدها لي لتطلب الحسنة لا أدري ما الذي حصل لي , تفاجأت ودون تفكير مني رفضت ومضيت في طريقي أمشي وعيناها أمامي . كلمات تود الخروج عبارات مخنوقة ودموع متحجرة , أخدودان حفرتهما الدموع على خديها ظلت أفكار كثيرة تدور في مخيلتي لم استطع العمل اضطررت للعودة إلى المنزل باكراً * * * رن جرس الباب فتحت أم سعاد وإذا بسعاد واقفة . تفضلي ... يا ابنتي دخلت سعاد والإرهاق بادٍ عليها رمت بجسدها المنهك على أقرب مقعد سألتها والدتها ما الأمر يا سعاد ؟! سعاد : لا أدري هنالك أمراً أثار انتباهي وانشغلت به ربما أعطيته أهمية لا يستحقها وربما قد يكون مهماً . أم سعاد : بل اسأليها . تشجعت سعاد لسؤال تلك المرأة وقررت في اليوم التالي أن تنفذ قرارها وفي صبيحة اليوم التالي خرجت سعاد وكلها شوق لتلقى المرأة ظلت طوال الطريق وعيناها تتلفت يميناً ويساراً لعلها تجدها ولكن دون جدوى . * * * وصلت سعاد للعمل وتفكيرها كله معلق بالمرأة لاحظن زميلاتها فسألنها ما الأمر فأخبرتهن بتلك المرأة التي كانت تظل بجوار بوابة العمل وفي الشارع الرئيسي ضحكن منها ولفكرتها ونصحنها بترك التفاهة التي هي بها .. مرت أسابيع فقدت سعاد معها الأمل في أن تجد المرأة . * * * مرضت سعاد وظلت في الفراش لفترة طويلة وبعد أسبوع تماثلت للشفاء إلا أنها لا زالت تأخذ الدواء وفي ذلك اليوم وهي في الحافلة ذاهبة لتشتري دواءها , رأت تلك المرأة تخرج من أحدى الصيدليات والخوف باد عليها . حاولت أن تناديها ولكنها أسرعت بركوب الحافلة الأخرى مما جعل سعاد تهتم أكثر بأمرها . * * * بعد أسبوع وفي صباحية ذلك اليوم رن جرس الباب فتحت سعاد لم تصدق إنها المرأة في الباب تفضلي قالتها سعاد وهي متفاجئة !! اعذريني قالتها تلك السيدة والخجل ظاهر على وجهها صديقتك في العمل أخبرتني بالأمس أنك تريدين التحدث معي خيراً !؟ سعاد : بدون مقدمات أريد أن أ‘رف عنك كل شيء .. قاطعتها المرأة : لماذا تريدين أن تعرفي كل شيء عني . لتتسلي وتقضي وقتاً أم لأنكي حقاً مهتمة بأمري . سعاد : بل لأني بالفعل مهتمة لأمرك .. اسمي خديجة . قروية تربيت على رعي الغنم . لم يكن لي الحق في أن أكون كالأطفال زوجني والدي وأنا لا زلت أحلم بأن ألعب . لدي أخوات حصل لهن مثل ما حصل لي بعد زواجي اعتقدت أنني سأعيش ولكن كنت أحلم فقط . فلقد كان زوجي نسخة طبق الأصل من والدي وإخوتي أنجبت بسرعة . أصبح لدي ستة أطفال في سنوات قليلة كنت في كنف زوجي إنسانة ليس لها ذكر و كأنني وجدت فقط لأعمال البيت وتربية الأبناء والإهتمام بالزراعة والحيوانات , توفي والدي وترك ثروة كبيرة إستكملها أخوتي لم يعطوني منها شيء لا أكذب عليك فلقد حزنت لعدم الإهتمام لوجودي ولكني كنت متأملة بذلك الزوج بعد فترة من الزمن كبر أبنائي وكنت ولازلت أحلم أن يأتي ذلك اليوم الذي تتغير فيه حالتي فبدل أن أكون من المنسيين أصبح من المهتم بهم . المهم .. صعقني الخبر الذي أبلغني به زوجي أن هناك من خطب أبنتنا !! حوالت أن أعترض ولكن لم يكن لإعتراضي أي أهمية فلقد أتم زوجي كل شيء وزوجها كانت يائسة في ريعان إزدهارها ولكنها قطفت في غير أوانها عزيزيتي سعاد لن أطيل عليكي فلقد توفي زوجي بعد زواج ابنته وبالإصح بعد بيع ابنته بفترة ليست بطويلة . فأخذ أخوتخ أمواله ولم يبقوا لي شيء حتى أبنائي ألكبار أخذوهم مني . ولكن !؟ بقيت في قلوبهم قليل من الرحمة فأبقوا معي ثلاثة منهم . طردت من المنزل وذهبت أنا وأبنائي إلى إخوتي . ولكن وىأسفاه أمرت أن أكون كخادمة وليس كأخت قاست المرارة . لدرجة أنهم أتهموني بالتقصير في مهامي الحياتي لذلك طردوني .. قررت أن أطلب ميراثي وأستقر أنا وأبنائي . ولكن عندما أبديت الفكرة كأنني فعلت جريمة وأقترفت عيباً . وعلمت فيما بعد أنني مجرد امرأة لا يحق لها أي شيء .. هربت من القرية وأتيت إلى المدينة وكلي أمل أن أجد ضالتي . ولكن ؟! تكسرت آمالي ووجدت أمامي طريقان إن سلكت أحدهما ضعت . فلم أجد من هو أرحم علي إلا رصيف الشارع . برغم المهانة ومد اليد . سكنت الأنراض أجسادنا وفتك الجوع بنا حتى الموت .أخذ طفلي الصغير منذ فترة قصيرة . سكتت خديجة برهة ثم قالت هل تعلمي يا سيدتي أن هذه المدة الأولى التي أشعر فيها براحة وحرية . وبان لي الحق في أن أتكلم . هذه قصتي وحالتي لأنني إمرأة لا تزال حقوقي ظائعة .. سعاد . وماذا تريدين ؟! خديجة : ليس لي وإنما للبقية اللواتي لا زلن يعانين القهر . والتسلط وأخذ الحق بالقوة والتزويج بالإكراه . فهل هنالك حل لهذا كله ؟! .. إبتسام عقيل ..