لا أعرف ماذا يدعى فرد البطانة - تلك الجوقة أو الحاشية التي تحيط بالسلطان -، هل هو بُطين، بطن، باطن، أم مبطون؟ ... لايهم، لسنا بصدد درس لغوي. بداية، أرفض اسلوب طرح شاذ وغريب، في أن الرئيس كان خير من مشى على قدمين، لكن مشكلته في بطانته ومن الذين حوله، أو حتى من ذهب الى تشبيهه بحال الأعور في سوق العميان، وبالتالي في الحالتين كان يصور على أنه خير ضابط أُخرج للناس. تلك بعض الأساليب التي يمارسها المستفيدين، فالفندم معصوم من طراز فريد، لكن مشكلته في رجال بطانته الذين يعدون عبئاً عليه! معذرة، أنا اؤمن تماماً بأن العكس هو الصحيح، - وما أقوله وأذهب إليه ليس بالأمر الجديد، أو سر، ولكنه أمر يعرفه الكثيرون. - أعتقد صادقاً جازماً حازماً بأن البطانة الذي يحيط الرئيس نفسه بهم حسب الأبراج، غالبيتهم من الكفاءات، ومن الذين لو توفر لهم مَثل أعلى لكانوا على قدر كبير من القدرة على العطاء والإنتاج، غير أنهم - برغبه سامية - حُولوا الى مجرد أمعاء تسعى من أجل البقاء... بُطينات قابلة للعلف والنفخ والشحن، تنشغل أماصيرها بمصالحها وحاجاتها الخاصة. بالمقابل، أعتقد أن ذلك "الضويبط"، الذي أجاد المناورة والدسائس والتقلب كحربآء رقطاء، والذي فعل فعلته ليصبح في غفلة من الزمن آمراً للعسكر على سن ورمح، كان يتلذذ ويتشفى بمنظر الكفاءات وهي تتقاطر كذوات الأربع إلى مقام النهدين في بيت بوس بقامات محنية، لاتميّز بين الاختيار والإكراه أو الطاعة. الأكثر قسوة في الموضوع، أن بعض ما اراده ذلك الرئيس من الحياة، هو شراء بطانة تداعب غروره ويعتبرها من كمالياته... اراد بطانة تستقبل رفسه وركله بصدر رحب... بل وتدمن عليه... يستطيع أن يكوّرها، وينفخها، ويدحرجها حيث يشاء، وإن مرّت دقيقة من دون ركلة أو صفعة تشعر جلودها بالملل والميول الى الحكّة... بطانة مطاطية قادرة على أن تعود نطاً إلى المقام، تتكوّر أمامه، وتتوسل إليه كي يركلها من جديد. - وكان له ما أراد، رغم كلفتها الباهظة - الفندم اقتنى بطانته المدجنة التي كان لايعيرها أدنى إحترام... متخصصة في إنتاج البراز، ترتدي لخام الرئيس وتمجد بصقه. ولعدم وجود مقاييس للبطانات، فإضافة باطناً أو بُطين لم يكن سوى فعل إقتناء، - ليس مهماً أن يكون بطناً كبيراً أو سميناً، بليداً أو مريضاً أو به عرج فليس في ذلك مشكلة.- المهم ان يكون بطين خانع قابل للإنصياع وللشحذ والصيانة في ورشة الأفعال. من خلال مطالعتي، كنت كلما تمعنت في قرآءة بطين من أفراد الحاشية، اجده فعلاً مصاباً برفسة وحشية...! - فأعثر على حروفه مكسرة وبحاجة إلى تجبير، بل تكاد تنطق وتتكلم، نحن لسنا سوى فواصل سطور محروسة، ولسان حاله يوحي اليك، انظر تحتي... فوقي... بجانبي.. .أنا نفسي مصادر، لا حول لي ولا قوة... حتى أنا أبحث عمن يخلصني. وعليه فإن اي تبطين ساذج لغير الواقع يسعى لأن يخفي ما الله مبديه... فذلك الوضع الغير متكافىء كان يكشف عن تغول النفاق وتضعضع عزيمة الشور الصادق والنصيحة وإنعدام الخيال الخلاق لدى أقرب الناس إليه من المبطونين، حتى أصبح ذلك السلوك الشاذ يجدف بذلك الضابط - الذي له نفس ملامحنا البشرية - إلى استمراره في غيه، وإلى عوالم التيه والغطرسة والكبرياء والجحود، وجعله يخلد بأنانية مطمئنة إلى مصالحه الشخصية والعائلية، حتى تراءت له في الآفاق بشائر الخلود والتوريث بنرجسية مريضة عفنة ونتنه. ... ولاننسى أيضاً، أن تلك البطانة الملتصقة بحواشيه هي من ساهمت بالدفع به لأن يبقى ضيفاً ثقيلاً وعاهة مستديمة توغل في الدمآء لأكثر من ثلاثة عقود عجاف من الزمن. فهل نعتبر ونستلهم الدروس من النتائج المخزية للبطانة الغير رشيدة، فنضع من الآن مقاييس البطانات المطلوبة للقادة القادمون، بمعايير ترتكز على التأهيل والتزكية وبضمانات تخضع للرقابة والمحاسبة القانونية الصارمة