أجواء ما قبل اتفاق الرياض تخيم على علاقة الشرعية اليمنية بالانتقالي الجنوبي    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    صحيفة تكشف حقيقة التغييرات في خارطة الطريق اليمنية.. وتتحدث عن صفقة مباشرة مع ''إسرائيل''    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    العميد باعوم: قوات دفاع شبوة تواصل مهامها العسكرية في الجبهات حماية للمحافظة    البحسني يكشف لأول مرة عن قائد عملية تحرير ساحل حضرموت من الإرهاب    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأديب والشاعر علي دهيس: التلاقح بين الثقافات من أقصى الحالات الحضارية
نشر في الاشتراكي نت يوم 02 - 03 - 2013

علي دهيس صوت شعري خاص في المشهد الشعري اليمني .. شاعر مسكون بالنص الشعري .. شاعر متوثب .. يكتب النص الشعري الجديد .. مشتغلاً على تشكلاته وموضوعاته المتحركة ، ومتداخلاً مع أسئلته الجمالية وإضافاته المفتوحة.
ينوجد في ممرات التجريب النصي مشتبكاً بأسئلة وجودية وإنسانية .. لا تقف أصداؤها داخل حدود النص وحده .. بل تأتي انبثاقاً . تتأسس علاماته وحفرياته الحادة من داخل التجربة الحياتية والإنسانية .. لذلك يغدو التصاقه باللغة مسبوقاً بوجوده المتوتر وإقامته المتحفزة في شجون الحياة اليومية .. وما ترسمه من الأسئلة المفتوحة على وجع الذات .
النص الشعري لديه لا يمنح قارئه مفتاحاً للأجوبة .. بل يأتي تكثيفاً فنياً .. لمحنة الإنسان وتشكلاته المتجددة مع أسئلة وجوده الخاص .
الشعرهو السفر المضني إلى أقصى اللغة المخصبة و على الشاعر أن يتجاوز نفسه وهذا لا يتأتى إلا بالتحرك داخل الزمن المفتوح... مجلة الثقافة أجرت معه هذا الحوار ولأهميته يعيد الاشتراكي نت نشره فإلى تفاصيل الحوار.
أجرى الحوار : سلطان سعيد عزعزي **
س_ المتتبع لكتاباتك الشعرية سيلاحظ أن ثمة شكلاً متحركاً للنص ،جامح ومتوثب لتجاوز علي دهيس الذي بدا بشعر التفعيلة بإتقان وتميز وأجاد في كتابة قصيدة النثر،وشهدت كتاباته اللاحقة لها تجديداً وتجاوزاً مستمراً بين نص وآخر، إلى ما تعزي ذلك، وكيف يمكن للمغايرة التي تقيمها داخل النص أن ترسم حدود وملامح تجربتك؟
ج_ أعتقد أن الرضي عن النفس إبداعياً حالة خطرة ويمكن أن تشكل حالة من التكرار وتفضي إلى التوقف والموات . وأزعم أن الشاعر في حاجة باستمرار إلى تجربة وتجريب جديدين، والى تطوير دائم و تمرد على ما نسميه انجازه الراهن. ف"الشعر فضاء جديد " كما في لغة جان إيف. والشاعر بشكل عام لا يتوقف عن تجديد أدائه الشعري و موضوعه الشعري وهو عبور دائم ، تغييٌر في الرؤيا،وبحث ٌعن أسئلة أخرى على مستوى اللغة الشعرية ورحلة بين الثقافات واللغات والأزمنة. وهو دائما وأبداً ذات فاعلة وحركة تجاوز ورفض واع مبني على رؤيا تتوسل خلق صورة جديدة للعالم .
وبالطبع الشاعر لا يقبل الواقع ولا يخضع لنواميسه .. لا يقبل حتى بنفسه .. بل يرتاد الأفاق ويكتشف عوالم مجهولة كما يرى جوزيف جوبير وهو على موعد دائم مع رحلة الجديد في الفن عبر التجريب والابتكار . لا يمكن للشاعر أي شاعر أن يكون سجيناً لتجربة شعرية بعينها . كل قصيدة يكتبها لابد أن تتجاوز ما سبق . وهو يحلم أن يضيف جديداً في كل كتابة جديدة حتى على مستوى نصه هو ..أن يتجاوز شكل تعبيره وطريقة تفكيره .. لغته الشعرية .. تقنيته اللغوية وهذا يتأتى بفعل الوعي بمشروعه الشعري .. وبكونه يتحرك داخل الزمن ولا يتوقف عن المواكبة والمتابعة للتجارب الشعرية . طبعاً إجراءات مثل هذه لا تعني طمس الملامح أو تغيير سمات البصمة....الأسلوب .. أو ما يسميه درويش "الوجه الشعري " أو "الهوية الشعرية " لمن قد وقَّع َ أو كوَّن.
وفيما يتعلق بما تضمنه السؤال شخصياً لا أعرف إن كنت أنا كذلك.. أي في العلاقة بيني وبين نفسي لست متأكداً من سعيي هذا هل بوسعه / بوسعي أن أقرأ حركة التجاوز والإضافة داخل عملي . لكن دائماً أحاول التخلص من كل عمل أكتبه ، أحاول نسيانه تماماً .في العمل الأخير أقوم بمراجعة جملتي .. عبارتي .. ذهني _ باعتبار الصورة الشعرية حركة ذهنية تتم داخل الشعور وأحاول رؤية إلى أي حد ٍ أبدو مختلفاً عما كتبت سابقاً . و لأن حقيقة ما أشعر به هو إنني يفترض أن لا أكون في حالة اطمئنان إلى كتابتي الشعرية ، وعلى كل أشكرك على هذا الرأي و إذا كان مصيباً فهو يسعدني .و عليَّ أن أعتبره رأياً نقدياً أعتز به كثيراً ولا أطمئن إليه.
التاريخ لا يحضر داخل النص بمادته بل كرؤية وخبرة ودراية بفاعلية الزمن. فالشاعر ليس بأهمية الأفكار التي يحملها ولا بكمية الحساسية المفرطة ، ولكن بملامسة الأشياء وإشعال حرائق الفن داخلها.
س_هناك قدر من الاشتباك تتعانق فيها الرؤية الشعرية بتأمل الفلسفي الصوفي في عدد من نصوص علي دهيس ،هل يمكن إعادته إلى المؤثرات القرائية والى أي مدى كان لهذه حضورها عليك كشاعر؟
ج -لاشك أن للنص روافده والقراءة يمكن أن تكون أحدها بل وأهم ركائزها .لكن الأثر القرائي له صلة باتساع مدارك ووعي وذهن وروح ووجدان المبدع وتخصيب رؤيته تجاه الحياة وأشيائها ، وهذه العناصر والعوامل في تقديري يمكن لها أن تتدخل في تشكيل وبناء النص ، لكن ذلك التدخل ليس تدخلاً مباشراً ..تَدَخُلَ حضورٍ .. كأفكار. فالشاعر ليس بأهمية الأفكار التي يحملها ولا بكمية الحساسية المفرطة ، ولكن بملامسة الأشياء وإشعال جذوتها ،بل وإشعال حرائق الفن داخلها . كما أن التاريخ بالنسبة إلى المبدع الشاعر تحديداً القارئ بعمق للتاريخ لا يحضر التاريخ بمادته بل كرؤية وخبرة ودراية بفاعلية الزمن . لان المبدع يتحرك داخله أي أن مصدر الكتابة الإبداعية يفترض أن يكون ما يعتمل داخل الحياة لا في الكتب . وبالطبع أنا قرأت في الفلسفة وفي الأدب الصوفي وأقرأهما .ولكن لا أنظر إلى الصوفية_ على وجه التحديد _ نظرة فكرية أو فلسفية، لا أنظر إليها كمقولات مرفوضة أو مقبولة .أنظر إليها أكثر من زاوية شعرية.. أخيلة أدبية ، وبما هي مغامرة، فهي مغامرة أدبية ..شحنات للسفر المضني إلى الأقصى في اللغة المخصبة . ولا أخفيك أني في حالات القراءة الأولى يتخفف لدى الانشغال بالبعد الفكري الذي يحتاج إلى عمليات فكرية كبيرة . ففي هذا العالم أحاول أن أحافظ على متعة ولذاذة القراءة الأولى ، أرحل مأخوذاً ومدهوشاً ومذهولاً. لأن التركيز هنا يكون جمالياً .أيضاً أحاول أن أتعلم كيف يكون اللعب بالتركيب كما بالتشبيه والاستعارة ، أتعلم كيف أحاول الإنصات إلى أسئلة القصيدة في تجاوبها مع أسئلة ما يمور ويضج و يرج ويقلب جغرافيات السياسة والمجتمعات والآداب والثقافات والخرائطُ المهتوكة. كيف أغرق في الحسية والمادية ، وفي قلق الأسرار الكبرى أتعرف على بنية الإيقاع ، على مفهموم
التركيب والصياغة مفهوم الصورة مفهوم التوتر مفهوم الحركة الذهنية والحركة
الروحية مفهموم التكثيف ، أي الانكسارات المتعددة وبؤر التوتر التي تحملها القصيدة ومن خلال الصيغ اللغوية والصور والقوة المثيرة للكلمات ، والحد الغامض للإيحاء والجماليات، العلاقات بين الجزء والكل . وأقرأ محاولة اتصال مختلفة بالكون .
أيضاً يغريني داخلها البحث عمّا وراء الأسئلة الوجودية لكن هذه الأسئلة تستحيل إلى أسئلة شعرية . عالم مملوء بالدلالات ، حافل بالألغاز والأسرار.وإذا أردت أن تبحث عن المصادر الحقيقية التي أثْرت قصيدة النثر ستجد الكتابة الصوفية النثرية ، سيما تجارب رموز العالم الصوفي أمثال الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي والنفري والبسطامي والحلاج والسهر وردي والتوحيدي وووالخ .هؤلاء تجدهم روافد لأودنيس مثلاُ. وشخصياً لا أريد أن تكون كلماتي أكبر من داخلي ومن تجربتي الحياتية والإنسانية. أنا هنا أحاول فقط معرفة أسرار القول ..أن أفيد فيما يتعلق بالتعلم على عالم اللغة ،لعلي أتوسع في فهم الخطاب الإبداعي وفي التعرف على أنظمة التعبير.
أدباء اليسار واليمين الذين تعاملوا بفجاجة مع البعد الإيدلوجي فشل إنتاجهم أن يصمد أمام رياح الزمن ذلك لأن طبيعة الأشياء في الأدب تأخذ القيم النبيلة وتتحرك في دوائر أكثر دلالة وعمقاً وجمالاً.
س_يلاحظ في نصوصك إلى جانب احتفائها باليومي والتفاصيل نزوع لتحريرها من المجانية ،إذ كثيراً ما يتم توظيفها في متن النص في سياق عام يتجاوز حدود الذات إلى الهم السياسي والهم العام؛كيف يمكن على ضوء هذا أن تفسر لنا علاقة الشاعر بالمجتمع والعالم وكيف ينظر علي دهيس إلى موضوع الالتزام السياسي لدى الشاعر؟
ج _القصيدة حياة والحياة فيها كل شيء والسياسة بالضرورة ضمنها ، ولكن كيف يمكن التعامل معها أي السياسة ؟ لدي قناعة بأن التعامل مع السياسة بطريقة فجة داخل العمل الشعري لا شك يصنع نصاً رديئاً ، بإمكاني أن أكتب أرائي السياسية بكل وضوح في المقالات، الأدب بطبيعته فني وإنساني ، الأشياء في الأدب تأخذ القيم النبيلة وتتحرك في دوائر أكثر دلالة وعمقاً وجمالاً. والشعري على وجه الخصوص يقوم على صناعة الوجدان وخلق البعد الجمالي وعلى خلخلة اللغة ويفتح أمامها فضاء دلالياً جديداً. ولكن السؤال المهم هو لماذا كل هذا الإصرار من قبل الاستبداد على محاولة إقناعنا بالابتعاد عن السياسة ؟ صدقني أن هناك أوهاماً تروج لمصطلح السياسة وتحرض على ضرورة تجنبه ، في رأيي ما يجب على الأديب أن يضعه في الذهن هو أن الانخراط في العمل السياسي بشكله الاحترافي اليومي له أثره من حيث جر المبدع وانعكاس ذلك على حساب إبداعه، فالقصيدة السياسية لدى الشاعر غير المبدع بالفعل كثيراً ما تخلو من الشعرية وربما لدى البعض قد تغدو خطبة لا علاقة لها بالشعر لكن الشاعر المبدع هو أكثر من يحرص على أن ينتبه لدوره الإبداعي داخل اللغة والفن .. أكثر من النقاد أنفسهم .. وأيضاً لدوره الاجتماعي.وفي كل الأحوال لا شك إنه لا يغيب البعد السياسي عن شرايين القصيدة ولكن لدى المبدع الحقيقي تتخفى السياسة في كرويات الدم السرية من جسد المكتوب الجمالي،فهي تُرى ولا تُرى ، وليس في خطاب مباشر ذي تعابير مأكولة وعادية .وحتى الأيدلوجي لابد له من تخفيات جمالية . لأن الإيديولوجيا التي يضمرها الأدب في بنيته لا يمكن النظر إليها كمعطى موضوعي، ولكنها تنتمي لبنية التعبير، مما يجعلها غير قصدية وغير مباشرة، لأنها تختفي وراء العناصر الفنية التي يعتمدها الأديب في عمله الإبداعي فهي تعتبر معطى موضوعيا لم يقصده الأديب قصدا في إبداعه ولكنها حصيلة تشكيل ونتيجة للدلالة العامة للعمل الأدبي وفي ظني أن أدباء اليسار واليمين الذين تعاملوا بفجاجة مع البعد الادلوجي فشل انتاجهم أن يصمد أمام رياح الزمن.
ويمكن أن تسأل هل تغيب السياسة عن نص كبار شعراء العالم لوركا ..ناظم حكمت.. هل تغيب السياسة عن قصيدة المقالح عن قصيدة البردوني عن قصيدة درويش عن قصيدة الماغوط .عن قصيدة...... ووووووووألخ .السياسة رأس وعمود هذا الصراع الدائر في العالم . لكن السؤال هل يكتب الشاعر قصيدة شعرية أم يكتب سياسة ؟ إذا كان لديه فكرة سياسية يكتب مقالاً لأن السياسة واضحة وغموضها مختلف، ولان الموقف السياسي يتطلب في حالات لغة واضحة ودقيقة على عكس جماليات لغة الأدب ثم أن الأدب لا يقوم بشرح قضية بقدر ما يفجرها . والسؤال هل الابتعاد عن السياسية بالنسبة إلى الشاعر الذي لا علاقة له بالشعر هو بحق السبب الكافي لإنتاج النص المرتجى؟
ما يتعلق بالالتزام فالالتزام مسألة خيارية وهو حتى لدى سارتر الذي يقف في الوجهة الأخرى من غرامشي مسألة خيارأيضاً و هناك من يشدد على عدم الانتماء لجهة ما حتى لا تسحبك من الانتماء لجهة الحقيقة مع وضع الحقيقة بين قوسين .وانأ أعتقد أن عدم الالتزام والتنظير له بشكل مسهب ومفرط مغالي ومتطرف هو نوع من الالتزام أيضاً .. التزام للاشيء.. إن لم يكن عدمياً .
الجديد رؤية للحياة وموقف منها وإحساس وإدراك ووعي رافع بأن الشعرعملية خلق.و روح العصر فتح الآفاق وهيأ الفرص النادرة للعين.
س_يذهب بعض النقاد إلى إن الشكل الكتابي الشعري الجديد يتطلب قارئاً من نوع ما , يمتلك من الذائقة ما يؤهله لنفض ذاكراته من المعيارية والتلقي التقليدي كيف يمكن لكم التعامل مع هذا الرأي وهل يحمل قدراً من الوجاهة في رأيك؟
ج_ برأي الجديد هو وعي والوعي بالجديد هو الذي يحدد صورة الخلق الفني بسياقاته المختلفة والمتعددة، تقنيا ولغويا ودلالياً . وهو تواصل مع الحياة البشرية بكل تطوراتها وحاجاتها ومعارفها ،والشعر الجديد يتضمن جدته في بنائه وتصوراته وفكره و إيقاعه الداخلي ، و تساؤلاته ، وتشوفاته الإنسانية .وهو يتضمن التعبير عن العصر الذي يحياه والجديد الشعري إحساس جديد بالعالم ، إحساس عام بالكون وبالواقع وبالحياة البشرية، إن الجديد رؤية للحياة وموقف منها إحساس وإدراك ووعي رافع بأن الشعرعملية خلق ، فهو أكثر تعقيداً في تركيبه لأنه يصهر في العملية الإبداعية أشكالاً مختلفة قصة، مسرحاً ،رواية، سينما، فناً تشكيلياً وأنواع الإبداع الأخرى ، وليس مجرد كتابة بالمعنى السطحي (لمصطلح كتابة ).
وفي تقديري أن هذا بقدر ما هو نتاج معطيات ثقافية لدى مبدع يعي جيداً أدواته مفهوماً وتكويناً وتجليات ويسعي دائماً لتثقيف نفسه بلغة العصر . ولا يكتفي بتقديم نوع معين واحد وسياق محدّد واحد، بمقدار ما يسعى إلى بناء وحدات نصية متعدّدة البنى والتراكيب هدفها الإبداع والمغايرة .فهو يتطلب القارئ المبدع الًموازي ، القلق ، المنتج ، المشارك ، والمتفاعل في إعادة خلق النص عبر قراءة منتجة .لأنك تحتاج معه إلى أن تبدأ من المربع رقم واحد، وتطوي سجلاتك لتعيد صياغة عقلك معه لكي تقرأه، إنه من يكسر النسق ويعيد ترتيب أوراق الثقافة ،فالمتلقي الذي تغيب عنه روافد النص بالتأكيد يصعب عليه امتلاك شفرة ذلك النص ومفاتيح عوالمه فالشفرات الثقافية وهي تشمل الارجاعات المعرفية التي تشير إلى ثقافة ما، تسكن خلايا وشريان النص ويمكن أن تتسرب من خلال ذلك النص وتُسْتَجلى بالنسبة إلى القارئ الموازي ، وهذا ليس معناه أن القارئ يسعى إلى رصد معرفي علمي ، ولكنه يمكن أن يهدف إلى معرفة نوعية هذه المعرفة البعد الثقافي المنتج للنص_ .والقاري الذي يعتمد الأذن مثلاً أهم الحواس للذائقة ، لا يمكنه أن يتعامل مع النص الذي هو بحاجة قراءة بصرية .لأن مكونات ومشكلات النص السماعي هي غير مشكلات ومكونات النص البصري ،فمادة الجديد تعوّل كثيراً على الصورة البصرية أكثر من تعويلها على الصورة السمعية التي تتشكل من خلال تداعيات فعل السماع الذي لا يطلق العنان لمخيلة البصر والبصيرة في آنٍ معاً. وذاكرتنا العربية ،في غالبيتها للأسف ،هي ذاكرة صوتية أكثر منها ظاهرة بصرية، وهذا ما يتعارض مع روح العصر الذي فتح الآفاق وهيأ الفرص النادرة للعين.
ثقافة الخوف .. نقلت السجن إلى الداخل .و مشروطية القارئ تسقط.. بتحوله إلى رقيب على النص.
س_عند الاشتغال على كتابة النص الشعري هل تفترض أن ثمة قارئاً يرافقك ويلح عليك أن تخاطبهُ:وفي حالة وجوده كيف يمكن أن يضيف أو يحذف :أن يؤخر أو يقدم من حرية النص ؟
ج_حضور قارئ ولو مفترض لحظة الاشتغال على كتابة النص الشعري لا شك يمثل عائقاً لحركة السير ويجعل الكتابة غير قادرة أن تتنفس أو تتنهد بكامل رئتيها .. كتابةً متفتحةً حرة .
وانظر معي إلى ما تضمنه السؤال ( يضيف ، يحذف ، يؤخر ،يقدم ، تخاطبه ) أليست هذه أدوات وعناصر رقابة؟ إذاً أليس في ذلك إسقاط لمشروعية القارئ الحر الخالق ، المنتج فهو هنا محض رقيب ، والإبقاء على الرقابة إنما هو إصرار على أن تكون الكتابة " تزويراً" سواء أدركت ذلك أم لم تدرك .
ولا شك أن ثقافة الخوف نقلت السجن إلى الداخل لقد خلقت لدى كل واحد منا رقيباً من ذاته على ذاته ، وإن لم يكن رقيباً موضوعاً .. سياسياً .. فكريا.. اجتماعيا. يكون رقيباً فنياً وهو أخف الرقباء وطأة على النفس ولعل هذا ما يسميه بودلير بالناقد الكامن في الشاعر والذي يوجهه ! ولكن حضوره عليه أن يكون بعد الدفق الأول. وشخصيا لا أعتقد أن مبدعا في عالمنا العربي يمكنه أن ينجو، وهذا أحد عوامل ضعف الإنتاج الإبداعي أمام إنتاج الآخر الذي ينعم بفضاءات جمال الحرية ، فلحظة الكتابة، يفترض أن نمنح ذواتنا التحرك الحر بشكل كبير .لأن أسوأ بل وأخطر شيء في الكتابة تتمثل في أن يقف شخص ٌما ، جهةٌ ما ، في دائرة تحركك الكتابي أو يرافقك أثناء رحلة الكتابة كون دائرة الرحلة لا تتسع للاثنين.. لي حرية كتابة النص وللقارئ كل الحرية في قراءته أو عدم قراءته .. قبوله أو رفضه .
قصيدة النثر .. لم تعد بحاجة لتأكيد انتسابها للإرث الشعري العربي .. بقدر حاجتها إلى قراءة تقارب إضافتها الفنية للشعرية العربية.
س-..أثارت قصيدة النثر حالة من الجدل والسجال النقدي ،حول مشروعية انتسابها إلى الإرث الشعري العربي ، حيث ذهب البعض يفتش عن علاقة قرابة بينها وبين الموروث الصوفي والبعض الآخر اخذ يشكك في هذه القرابة في تقديرك أين يمكن وضع قصيدة النثر من هذا الجدل ،وهل ثمة وجاهة لهذه الآراء المطروحة؟وبأي قدر يمكن للشعر في نظرك أن يحمل حرارته وتوهجه وتأثيره على القارئ ،بمعزل عن الشكل والتسمية؟
ج_ قصيدة النثر كما هو معروف نشأت في السياق الأوربي_ الأمريكي وكما يذكر ميشيل ساندرا كان أول من فرض عنوان قصيدة النثر بودلير وكان ذلك في عام 1861 حيث عنون مجموعة قطع نثرية ب " قصيدة النثر " وقد دخلت في جدل ٍ كبير، وربما واجهت هناك رفضاً ، من قبل الوسط الأدبي في تلك البلدان ، بل أن ميشيل ساندرا يطرح أن كثيراً من نصوص قصيدة النثر لاقى انتشاراً سريا في( مجلات أو كراسات ) أي أنها كتبت بسرية !! لكنها مع الوقت أستطاعت أن تعمل على كسر تلك المعوقات منتزعة حراكاً نقدياً. وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأت تتشكل وبحسب ميشيل أنها في عام 1880 اعترف جيل بها ومارسها ، بعد أن أرسى دعائمها كل من الوزيوس بير تران وبودلير . واليوم لم يعد هناك أي شيء من هذا.انتهى الجدل في هذا الموضوع تماماً ،وربما كان كتاب( قصيدة النثر من بودلير إلى أيامنا ) للناقدة الفرنسية سوزان برنار في نهاية الخمسينات يمثل عرضاً نظرياً واسعا لميلاد قصيدة النثر وتطورها عبر القرنين التاسع عشر والعشرين فهو يرصد تجارب بودلير ، ولوتريامون ، ورامبو ، وسان جون بيرس ،وغيرهم من تجارب لهذا الجنس الأدبي . أي من خلال هذه التجارب يقدم ما يشبه بيانا تأسيسياً. و يطرح نهاية للرفض المجاني سيما والكتاب رسالة تقدمت بها المؤلفة لنيل شهادة الدكتوراة في الآداب عام 1959 أي أنه بعدٌ علمي أكاديمي .
على أن هذا الجنس الأدبي الجديد (قصيدة النثر) حال انتقاله إلى الحياة العربية كان التشنج من قبل المتلقي العربي عالياً إذ لم يلق أي جنس أدبي ما لاقاه هذا الجنس الأدبي,وهناك من رأى أن فيما تحمل قصيدة النثر هدماً خطيراً للشعر العربي ومفاهيم تتضمن الهدم للإرث التاريخي ليس للشعر العربي فحسب بل والديني وو الخ . ولعل العامل الزمني كان له دور في جلب الحساسية المفرطة إزاءها فلقد كان مجيء قصيدة النثر في لحظة بدت و كأنها ثورة على ثورة, فالجدال حول مفهوم قصيدة التفعيلة كان مازال في بداياته, بعد الحداثة الشعرية العربية الأولى التي بدأت مع السياب والملائكة.فجاءت قصيدة النثر و كأنها تعلن نفسها البديل لكل ما سبق, من هنا كانت الصدمة، ربما ،أكبر من أن تستوعب .
ولا حظ أن (رائدة ) من رواد شعر التفعيلة وهي نازك كانت في حالة تصدي مذهل لظاهرة قصيدة النثر وكانت المعارك على صفحات مجلة (شعر) وكان ادونيس وانسي الحاج وجماعة مجلة شعر يشكلون خط الدفاع الأول ومعروف أن بيانين صدرا حينها، الأول لأدونيس أطلق فيه الترجمة العربية(قصيدة النثر)، والآخر لأنسي الحاج تمثل في مقدمة ) لن ( ،أول كتاب شعري اعتمد الشكل الشعري الجديد وروح التجربة الشعرية الجديدة . البيانان رسما مشروع قصيدة النثر، وحدّدا أشكال انزياحها عن الحداثة الشعرية الأولى. وهما بالطبع لم يشكلا نظرية عربية، إنما كانا أشبه بتلخيص لنظرية الفرنسية سوزان برنار في كتابها الرائد"قصيدة النثر من بودلير حتى أيامنا "إلا أن أودنيس وهو الذي كان له دورٌ في تعريب النظرية فهو أول من اتجه نحو التنقيب والبحث في كتابات رموزالصوفية العربية أمثال الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي والنفري والبسطامي والحلاج والسهر وردي والتوحيدي وووالخ ربما هروباً من تهمة التغريب وليواجه اعتقاداً بأنّ عملاً كهذا من شأنه أن يستهدف الثقافة الوطنية التي بنى عليها جلّ المنجز الشعري، إذ هناك من يعتبر أنّ التكامل مع الثقافات (الأُخَر) والتماهي معها يمثل خيانة عظمى للموروث العربي، وتجنٍّ على حضارتنا وثقافتنا . فالبحث عن البذور الأولى في القران أو فن المقامات في القرن الرابع للهجري لدى بن العميد والصاحب بن عباد وبديع الزمان الهمذاني وأبي عامر بن شهيد وأبي بكر الخوارزمي أو النثر الشعري الرومانسي لدى جبران خليل جبران وأمين الريحاني والرافعي، وأحيانا كثيرة لدى المنفلوطي والزيات وطه حسين أو الشعر المنثور خليل مطران أو حتى جماعة أبوللو التي تأثرت بالسريالية والدادئية ، البحث هنا كان يعتمد على تلك المبررات . لكن التجارب الجادة لبلورة مفهوم قصيدة النثر بدأت لدى جماعة شعر في سورية (دونيس - أنسي الحاج..إلخ ) . باعتبارها شكلاً شعرياً مستقلاً له خصائصه الفنية ومقترحاته الجمالية . والسؤال الآن ما لذي تعنيه هذه الآراء ؟ هي حالياً ،وحتى سابقاً ، بلا معنى فأنت إذا ترفض قصيدة النثر بحجة أنها جنس أدبي وافد ، فهذا يثير حزمة من علامات الاستفهام ، كونه يستهجن من الناحية الثقافية المعرفية لأن السؤال حول (مسرح – قصة – رواية –سينما _نظريات النقد الأدبي وكل مدارسه من أين أتى .. أتت ؟ فالتلاقح بين الثقافات يعتبر من أقصى الحالات الحضارية خدمة للتقدم والارتقاء بالأجناس الأدبية إلى مستويات أفضل ، بدل الرتابة والجمود والقبول بالاستبداد.. كما أن الأشياء التي هي من طبيعة الشعر كاثرة ولا يمكن أن تحدد بعناصر بعينها .ودائما الشعرية وصلتها الأهم تعود إلى قدرة المبدع الحقيقي ، موهبته وإخلاصه ، وسعة ثقافته وسكنه الدائم داخل اللغة والحياة والأزمنة .
صدقني يجد المرء نفسه غير مضطر للخوض في عملية برهنة على انتساب لهذا الكائن الأدبي. قصيدة النثر فرضت نفسها كجنس أدبي جديد, لها ميزاتها و لغتها الشعرية و اصطلاحاتها اللغوية. ولم تعد بحاجة لتأكيد انتسابها للإرث الشعري العربي .بقدر حاجتها إلى قراءة تقارب إضافتها الفنية للشعرية العربية . قصيدة النثر العربية ربما في حاجة ماسة إلى السؤال عن مميزاتها وخصوصيتها بين قصائد النثر في العالم .وهل مازالت إلى اليوم تمثل عنوان التمرد كما كانت من قبل. ثورة فوّارة متمردة . هل ما يزال شاعرها في الطرف الساخن من الشعر يمثل ضرباً من مخالفة السائد أو تميّزاً، أم غدت هي الأخرى سلطة راكدة . هذه هي الأسئلة التي يفترض أن نطرحها.
أنت اليوم لاشك لديك خياراتك المختلفة ثقافيا وفكريا وسياسياً كما أنك تعي جيداً أن بنيتك الذهنية قد اختلفت وبالتالي لابد أن يكون موقفك الفني مختلفاً.
س_يرى بعض النقاد والمهتمين أن الشكل العمودي مع التفعيلة والنثري لم يفقد حيويته وتأثيره بعد ولم يستنزف طاقته في الإشعاع والتوهج ويقدمون شواهد عدة أظهرها المتنبي مثلاً،كيف يتعامل علي دهيس الشاعر مع هذه الإشكال الشعرية وهل أنت مع تعايش وتجاور الحساسيات الشعرية أم أن انحيازك واستقرارك على الكتابة النثرية يمكن له أن يؤثر على تقبلك لهذه الحساسيات؟

ج_ لا تعتقد أن ثورة الشعر أتت اعتباطا هكذا لمجرد الرغبة .يبدو أن ثمة إشكالية حقيقية في التعامل مع الحداثة .. من حق الشاعر أو الفنان أن يرفض ما هو سائد في عصره من أساليب فنية ورؤى ، وإزاء ذلك عليه أن يطرح بديلاً باتجاه المستقبل لكن المشكل أن البعض يطرح العودة إلى الماضي ، أو إلى نماذج الماضي بديلاً عما هو سائد . مثل هذا الموقف ينطلق مما ذا ؟ ينطلق من مفهوم مشوش ومضطرب.
إذا كان الشعر هو التغيير الدائم فهل إذا ما شعرنا برغبة في تجاوز ما هو سائد نذهب إلى مسعى التطور أم نعود إلى الخلف ؟ قضية العودة كلام لا معنى له فهو طرح سلفي يقف ضد حركة الزمن . ومتأت من اتكاليتنا على الماضوية وتمجيدها
أنت اليوم لاشك لديك خياراتك المختلفة ثقافيا وفكريا وسياسياً كما أنك تعي جيداً أن بنيتك الذهنية قد اختلفت وبالتالي لابد أن يكون موقفك الفني مختلفاً .
يمكن لك أن تبدي إعجابك بنماذج قديمة وقد تغرق في التقليد إن أنت اتخذت من تلك النماذج مجرى استيحائياً ونقطة انطلاق .
ما يتعلق بالمتنبي ، فهو شاعر عظيم ولم تعرف العربية متمرداً مثله وهو علامة لا يمكن أن يمحوها أي زمن و شعره الذي تتداخل فيه الحكمة مع العاطفة الملتهبة ويتمتع بقوة جزالة لغته العجيبة ربما مصدره أنه امتلك قوته الداخلية الهائلة ، و أستطاع أن يختبر الزمن أيما اختبار ودراية عميقين . ولعل هذا ما جعله حاضراً أمام وصف وضع ما ، للاستشهاد بشعره . كما استطاع أن يخلق عالماً شعرياً تعرفه دونما توقيع اسمه. لكن هناك فكرتان ألغتهما الحداثة الشعرية أصلاً: فكرة البطولة أو الفرادة وفكرة الاشتغال على غرضي المدائحية والهجائية .وأنا على يقين أن الذين يظهرونه شاهداً هم أبعد من أن يستوعبوه ولو كان معنا لكان على خط الحداثة .
وعلى كل ٍالنص الذي أحس بأنه أقترب من منطقة النبض الحقيقي والفاعل للعصر ..للحداثة واستطاع بالفعل تغيير بنية ذهنه ورؤاه ويكتب وجوده الشعري المختلف عن تلك المفاهيم والمعايير السابقة يمكن أن يخلق مجراه في نفسي .
المبدع محبط في مجتمع محبط ويريد حقه في أن يتنفس بشكل أفضل. يريد كسر أنماط وتفكيك ثقافة تضرب مناطق المستقبل ، مثل برامج الشبكة التعليمية والعمل السياسي والمؤسسات الثقافية وهي كلها هنا تعيد المعاد وتنتج ثقافة العيش في إطار إيقاع ثابت.
س_ أين يقف المبدع من حركة التحول والتكيف والاهتزاز في الرؤية الشعرية والحياتية ؟
ج_ المبدع محبط في مجتمع محبط .. المبدع هنا يشعر بانعدام استقراره ..بانعدام أمنه . والشيء الملازم له هو إحساسه بالفزع الدائم .. إحساسه بالغربة بل وفي حالات كثيرة إحساسه بتفاهته وتفاهة مصيره . وهو هنا في شكل من أشكال الصراع الغرائبي السياسي والثقافي والاجتماعي وقبل ذلك كله الاقتصادي فهو بشكل يومي يغالب لقمة العيش. وتخيل أن هذا الذي في حراك مع الرغيف يريد أن يبني مجتمعاً مدنياً تحكمه القوانين ويحركه وعيه المدني اتجاه حقوقه وحق الآخرين ويريد (المبدع ) من خلاله التحرك بحرية أكثر .. يريد حقه أن يتنفس بشكل أفضل، يريد كسر أنماط وتفكيك ثقافة تضرب مناطق المستقبل ، مثل برامج الشبكة التعليمية والعمل السياسي والمؤسسات الثقافية وهي كلها هنا تعيد المعاد وتنتج ثقافة العيش في إطار إيقاع ثابت ومتخلّف يزداد تخلفاً..ويكرس التبعية والتخلف .. يريد أن ينهي معاركه مع البنى المتخلفة الدينية والقبلية والعسكرية ليلتحق مجتمعه بالحياة . يريد أن يتنبه إلى مهنته ووظيفته داخل اللغة والفن . والمشكل والمأساوي أن كل ما يريد على كف عفريت . والأكثر مأساة أنه ليس أمامه من خيار إلا أن يستمر . لأن تحدّي القهر والظلم بالتفكير والأحلام العظيمة هو سر وجود الإنسان وِالإنسان المبدع على وجه التحديد .
القصيدة هي بنت لحظة حضارية وهي نتيجة تراكمية لما تعالق في الذاكرة.
س_للكتابة طقوسها الخاصة _وللقصيدة مواعيدها المحددة،أي طقس محبب لك كشاعر في بيئته تنبثق القصيدة لديك بنت اللحظة،أم هي نتيجة تراكمية لما تعالق في الذاكرة من لحظات؟
ج_ سأتجاوز طقس الكتابة ومواعيد القصيدة المحددة لأقول القصيدة بالفعل هي بنت لحظة حضارية وهي أيضاً يمكن أن تكون نتاج تراكم . هذه اللحظة قد تُصَبُّ معها كل ما علق بالذاكرة من لحظات العمر . قصيدة (حكاية سنين ) للبردوني كانت ابنة حدث استشهاد الزبيري لكن انظر كيف جرت معها كل أحداث تاريخ اليمن . اقرأ التقاطعات التي تكونت منها بنيتها .. كل ما تفرع عنها من تداع وأحداث وأحلام وأمال وانكسارات وأشياء قد تُرى وأشياء غير مرئية موجودة في ذاكرة ووجدان الشاعر ، ترسخت عبر المسيرة الحياتية . إنها الأهمية القصوى لإحاطة الجزء بالكل، وهو هدف الفن الحقيقي .
* علي دهيس مثقف متعدد ومتنوع وهو عضو المجلس التنفيذ ي لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وسكرتير التحرير التنفيذي لمجلة الاتحاد ( الحكمة) كما أنه يعمل رئيساً للقسم الثقافي بصحيفة الثوري ومدير تحرير لمجلة دروب الثقافية .
_ له ثلاث مجموعات شعرية " كأنا نتمشى في أصابع خائفة " " عن ذلك الانتباه الذي سأكونه" " الهائي ".
بالتأكيد سيقدمه هذا الحوار الذي نعتقد أنه مثقل بكثافة الاهتمام الثقافي الذي يحايثه كشاعر مبدع ومثقف متميز أيضا.
**الحوار أجراه الزميل الشاعر والناقد سلطان سعيد عزعزي في 2007 ونُشر في العدد الأخير فبراير2013 من مجلة الثقافة .. ولضرورة فنية نُشر ناقصا ويعاد هنا في الاشتراكي نت كاملا.
***سلطان سعيد عزعزي _ شاعر وناقد وباحث يمني
Emel: [email protected]
_له مجموعة شعرية" نهارات منخفضة"
_ له مجموعة شعرية " ذيل معتدل يبحث عن كلب "
_ له كتاب بعنوان " ثقافة المكان _ قراءة لجماليات مدينة صنعاء القديمة
_ كتاب نقدي " مقاربات قرائية في القصة والشعر "
له دراسة بعنوان " حوارية الذات والآخر " في تجربة الشاعرة القطرية / سعاد الكواري .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.