وضع مأساوي صعب يمر به النازحون عموماً.. وضع جديد لم يتعودوا عليه من قبل. يكتظ ريف تعز بالنازحين جراء فوضى الصراعات والهجمات الشرسة التي تتعرض لها مدينة تعز وعموم محافظات البلاد، بالذات المحافظات الجنوبية. 582 أسرة نازحة من مدينة تعز نزحت الى مديرية المعافر كما عادت 2747 أسرة من المحافظات. فقر وجوع وبطالة وارتباك من تباشير الأيام الغامضة إضافة الى ذلك ارتفاع شديد في أسعار المواد الغذائية والغاز مما جعل الوضع أكثر تعقيداً. وفيما الأطفال والنساء هم الأكثر تضرراً من هذه الحرب، قابلت نازحات وأطفالهن في ظل قلق وخوف وحزن شديد مخيم على العيون والأفئدة. أم إكرام التي لن تعود! «لن أعود الى البيت»! هكذا قالت أم إكرام وهي تبكي بحرقة وألم، وتوضح سبب الخوف الجاثم الذي لن يفارق وعيها «لن أعود الى البيت بعد ان رأيت دم ابنتي وزوجي على أرض الغرفة»!. كان سبب نزوحهم من البيت الواقع بجوار التموين العسكري في مدينة تعز بتاريخ 13/5/2015 جراء قصف المدفعية على البيوت بشكل عشوائي مما أدى إلى وقوع شظايا على المنزل. وتقول إكرام ابنتها 16 عاماً: كنت نائمة أنا وأبي عندما كانت الساعة 11 صباحاً إخترقت الشظايا الجدار وأصابت رأسي كما أصابت أبي في رجله اليسري ففزعت من صوت المدافع وشاهدت دماً يسيل بغزارة من جسدي، لم أكن أعلم من أين هذا الدم بالضبط ولم أعلم أن رأسي قد أصيب، كنت أشاهد الدم في أرجاء الغرفة فجأة دخلت أمي إلى الغرفة فشاهدت أخي سهيل يبكي متشنجاً فوق الدم وأمي من هول الموقف لم تستطع أن تفعل لي أي شيء كانت تصرخ وتبكي هاربة إلى الخارج تنادي من يأتي لإنقاذي أنا وأبي، عبدالحكيم أبو إكرام يقول: خرجنا بعد الحادثة إلى المشفى حيث واجهتنا أسوأ الظروف.. كنت خائفاً أن تموت ولا أستطيع إسعافها فالاشتباكات كانت قوية في كل الطرق المؤدية إلى المشفى ولكن الحمد لله وصلنا وغادرنا المشفى بعد أن نزفنا دماً كثيراً. حنين التي هرولت بخوف حنين محمد حمود طفلة تبلغ من العمر 13 عاماً نزحت من حارة المسبح مدينة تعز إلى النشمة بمديرية المعافر تقول إن الأوضاع ازدادت سوءاً وأنها كانت تظن بأن الأوضاع سوف تتحسن ولكن للأسف ازدادت تعقيداً، فحنين لم تتوقع أنها ستنقطع فترة طويلة عن المدرسة، وتقول: كنت أحلم بأشياء كثيرة لكن الأوضاع جعلتني أيأس من المستقبل فمدرستي أُغلقت ومدينتي الجميلة التي كانت تملؤها الحياة أصبحت مدينة أشباح فعندما خرجت من البيت أنا وأهلي كنت مرعوبة من أصوات المدافع والدبابات وأزيز الطائرات التي تحلق في السماء.. كنت أهرول في خطاي مسرعة وخائفة، فالبيت يبعد الكثير عن الفرزة فمشيت أنا وأهلي بحذر كبير وذلك بسبب انقطاع وسائل المواصلات فالمسلحون في كل مكان والرصاص تطلق بكثافة كنت أبكي وأدعو الله أن أصل بسلام. نوال النازحة مع أطفالها الخمسة نوال عبدالله نازحة أخرى من عدن وصولاً إلى مديرية المعافر. نزحت قبل شهرين بعد ما ازدادت الموجهات وصارت أكثر تعقيداً وازداد القصف على منطقة المعلا. ازدادت الاقتحامات لبيوت الحي الذي كانت تسكنه.. تم اقتحام العديد من البيوت فيه وتم ضرب النساء اللواتي لم يتواجد أزواجهن في البيوت ظناً منهم أن أزواجهن ملتحقون بالمقاومة. وتوضح: أضطرني الأمر للهروب من المنزل مع أخ زوجي وزوجته. نوال لديها أربعة أبناء وطفل خامس يبلغ من العمر شهراً واحداً تقول بحرقة وألم وهي تنظر إلى طفلها يبكي: «ليتك لم تخلق بهذه الدنيا». ذلك ان الظروف التي تمر بها نوال ظروف صعبة وقاسية كما هي حال الكثير من النازحين الذين تركوا بيوتهم وأملاكهم وخرجوا بثيابهم. الأنكى ان نوال نزحت بدون زوجها الذي لم ينزح معها بل بقي في عدن من أجل حراسة المنزل من النهب حد قولها، بينما أخو زوجها نزح إلى منطقة أخرى بعد أن تركها هنا وحيدة مع أطفالها الخمسة. وعندما سألت نوال ما هو سبب نزوحك إلى النشمة بمديرية المعافر بالذات أجابتني «سمعت من جيراننا بأن النشمة مدينة خارج تعز وهي مدينة آمنة»... نوال حصلت على بعض المساعدات من مأكل ومأوى من أبناء المنطقة وفاعلي الخير كما ساعدتها اللجنة الاجتماعية لإيواء وإغاثة النازحين. جهود ذاتية الأستاذ عماد الأصبحي رئيس اللجنة الاجتماعية لإيواء وإغاثة النازحين قال: اللجنة تأسست بجهود ذاتية ومبادرات شبابية وبعد أن سمع المجلس المحلي بفكرة اللجنة وجه بإعطاء اللجنة تكليفاً رسمياً بالعمل وذلك تحت إشرف المجلس.. وأضاف: اللجنة تقوم بإحصاء وجمع المعلومات عن النازحين ورصد وتوثيق كل الحالات الجديدة التي تصل إلى المديرية كما نسقت اللجنة مع عدد من الجمعيات وفاعلي الخير بإيصال المعونات الغذائية للنازحين وقامت اللجنة بالتعاون مع المجلس المحلي وإدارة مكتب التربية بالمديرية بفتح ثلاث مدارس والمركز الزراعي لأجل إيواء النازحين. ذلك جزء بسيط من ضحايا الحرب.. صاروا في مهب النزوح بلا أفق. ولا ينبغي ان تستمر أحلامهم بالحياة معطلة.