لا يكفي أنك صاحب قضية عادلة أمام بوابة أحد معسكرات استقبال المجندين الجدد في تعز، ستجد شبابا مضى على ترددهم على نفس هذا المكان أسبوعا كاملا وربما أكثر، ومع ذلك لم ينجزوا من معاملاتهم سوى القليل فقط، وقد ينطوي هذا التعذيب الذي يحصلون عليه على مغالطة وتطفيش. كل شيء متوقع في ظل طريقة التعامل السائدة داخل المقاومة والجيش، خصوصا أنه كان قد تم تسجيلهم وآخذ وثائقهم وصورهم قبل ثمانية أشهر. كل من أصبح في موقع المسئولية سواء في المقاومة الشعبية أو الجيش، أو لنقل الكثير منهم، هؤلاء يتعاملون بنفس تلك الأخلاق الحميدة، بنفس الآليات الفاسدة التي ظلت أجهزة علي صالح تتعامل بها مع اليمنيين دائما. غير أن جيش صالح وهو فاسد بامتياز توقف عن ممارسة فساده عندما تطلب الأمر منه ذلك. في لحظة معينة شعر أن عليه التوحد خلف مصالحه أو ما يعتقد أنها مصالحه. لن تجد جريح يشتكي في صفوف الحوثي وصالح، وإذا عرفوا أن هناك من يرغب في القتال معهم، فلن يترددوا في بعث طقم عسكري لجلب ذلك الشخص من المكان الذي رغب فيه إلى معسكر الاستقبال، وقبل أن يسجل اسمه سيكون قد أصبح لديه رواتب عدد من الأشهر، ثم سيتركون الباقي كما يفعلون لآليات صارمة لتوظيفه التوظيف الأمثل بل وجعله أداة لاختراق مجتمعه في حال كان مجتمعا مناوئا. أعرف أن هذا يعكس أزمة لدى تحالف الحوثي وصالح لكونهم يحملون قضية خاسرة، لكن طريقة تعامل قادة الجيش الوطني مع المجندين يعكس أزمة أيضا وهذي تتعلق بالقيم وعدم الإيمان بالقضية. لا يكفي أن يكون لديك قضية عادلة لتحقق النصر طالما وأنك تستبعد الشعب وتمنعه من القيام بدوره الذي هو محوري في كل صراع. الاستخفاف هو السائد. وهؤلاء الشباب الذين يتابعون التجنيد بلا مصاريف يتم التعامل معهم وكأنهم يسجلون في رحلة مجانية إلى جزيرة سقطرى أو كأنهم في أروقة الخدمة المدنية يكملون إجراءات الحصول على وظيفة في الجهاز البيروقراطي ويحتاجون لتقديم بعض الرشاوي، وليس تجنيدا من اجل الذهاب إلى الحرب والموت. ورغم البهذلة التي يتعرض لها الشباب ستجدهم مصرين على التجنيد. يريدون القتال والموت في سبيل الوطن والحرية. بينما لدينا نخب فاسدة ومسئولين لا يقدرون المسئولية حتى وان تعلق الأمر بظروف بالغة الحساسية كهذه التي نمر بها. أنها المفارقة الأغرب على الإطلاق. الكارثة أننا لا نزال نعيش حرب، ونواجه تحالف يستثمر كل صغيرة وكبيرة لكي يستمر في القتال، بينما لدى الشرعية والمقاومة والجيش إمكانات مهولة لا يتم توظيفها، رغم أنها إمكانات قادرة على إحداث فارق لا يمكن تخيله. وهذي مشكلة تعود بنا إلى البداية، وكما لو أننا نعيش أوقات لا وجود فيها للأفكار، أو أنه لا يمكن التفكير بطريقة مختلفة. فعندما كان الرئيس هادي قد أصبح في عدن بعد أن افلت من الإقامة الجبرية في صنعاء، كان الاحتقان الشعبي ضد تحالف الحوثي وصالح قد بلغ أوجه، وهذا فقط ما جعل شرعية هادي تتجدد. قرر هادي مواجهة زحف الحوثيين وصالح. كان لديه لجان شعبية ساهمت في طرد القاعدة من ابين، وهؤلاء أصبحوا بمرور الأيام مرتزقة يهتمون للنهب أكثر من أي شيء آخر، وهادي سيعتمد عليهم، وكان لديه إلى جانب ذلك بعض الأولوية الضعيفة والمفككة من الجيش. وبينما الاحتقان يتصاعد ضد تحالف الثورة المضادة شمالا وجنوبا، فإن فقر الخيال السياسي لم يساعد هادي على إيجاد الفكرة المناسبة، لكي يتبلور الغضب والاحتقان كقوة حقيقية على الأرض. لو أن ذلك تحقق بطريقة ما لكانت الحرب حسمت حتى بدون تدخل السعودية. أهدرنا كثير من الفرص، وحتى الآن لا زلنا غير مدركين لأهمية أن نبقي الخيال السياسي مشرعا بما يكفي لتبني رؤى أفضل من أجل التغلب على مصاعب ومشكلات لا تنتهي. لولا الغباء وهو شيء لا يمكن التسامح معه لطالما تعلق الأمر بالسياسة، لما كانت ثورة عظيمة كثورة فبراير قد ألت إلى ما ألت إليه. قامت ثورة وغاب الإبداع الثوري. ربع السلاح الذي بيد المقاومة اليوم كان يكفي ليجعل صالح وكذلك كل الأوهام البائدة التي انتعشت الآن، مجرد ذكرى من الماضي. لكنه التعلق بالسلمية وثقافة العجز، حتى فقدنا المد الثوري بالتدريج وسمحنا للثورة المضادة أن تبني نفسها على تلك الأرضية التي كنا قد عملنا على تشكلها. في تلك الأوقات العصيبة، أي عندما أصبح هادي في عدن، وهناك أوقات عصيبة كثيرة سبقت ذلك، حينها كانت المليشيات تتقدم باتجاه الجنوب والوسط تحت ضوء النهار، هكذا بكل وقاحة باتجاه عدن. الطيران أيضا يحلق فوق القصر الرئاسي. بينما كل السياسيين، كل الوطنيين في صمت مخزي. وحتى لا يبدو أن الغباء مقتصرا على السياسة فقط، فقد ذهب الصبيحي وفيصل رجب وناصر منصور إلى مقدمة المعركة ليصبح اعتقالهم مساهمة جيدة في انهيار ما تبقى من القوات في الصفوف الخلفية. يفترض بوزير الدفاع أن يدير المعركة من آخر مكان يمكن أن يصل إليه العدو، خصوصا اذا كان ميزان القوى مختلا في الأصل. هذي لا تحتاج إلى ذكاء، لكن الغباء أصبح عسكريا أيضا. كنت احد من يتابعون الوضع عن قرب. وكانت الجريمة الأبشع هي أن يذهب كل ذلك الغضب الشعبي هباء وكأنه لم يكن. أنه حس الشعوب في لحظات فارقة، وهو حس لا يمكن أن يخطئ. حينها وجدت تلك الفكرة المتعلقة باليونان تقفز إلى راسي. كانت اليونان في أحد العصور القديمة مفككة. (قبل الميلاد) مدنها دويلات تتحارب بينها البين، وكانت فارس الدولة العظمى، قد غزت اليونان لمرتين تقريبا، وهي الآن تحشد جيشا بلغ قوامه قرابة مليون جندي، وهذا الجيش الضخم يزحف مجددا باتجاه اليونان. (لا يمكنكم محاسبتي على دقة المعلومات أو عدم دقتها، فأنا لا استطيع حتى أن أتذكر أين قرأت تلك القصة، المهم هنا هو الدرس اليوناني) قائد إحدى الممالك اليونانية ولتكن أثينا أو اسبرطة، قرر مع قائد مدينة أخرى أنه سيواجه الفرس. ولكن مع اقتراب هؤلاء من الساحل، فكر أنه لا يمكنه المواجهة لمجرد أن لديه جيش يتكون من بضعة ألاف. فأرسل إلى زعماء الممالك الأخرى، والتي كانت الحرب بينهم لا تزال قائمة. بحث زعماء هذه الممالك عن أعذار تجعلهم لا يشتركون في حرب يعرفون سلفا أنها خاسرة. لكن الاقتراح جاء بان مصير اليونان واحدا، وبأن الشعب اليوناني يجب أن يقرر مصيره بنفسه. وكانت هذه الفكرة: يتم إجراء استفتاء، وعلى ممثلي الشعب أن يقرروا، أو بالأصح أن يعكسوا القرار الشعبي، هل يمكن لليونانيين خوض الحرب جنبا إلى جنب في مواجهة الفرس أم أن على الزعماء إعلان استسلام ممالكهم وتجنيب المدن ويلات الحرب. حتى الآن كان تفكيرهم حول ويلات الهزيمة. هذه الفكرة كانت كافية ليتجاوز الشعب اليوناني كل خلافاته السابقة، ويستنهض الروح القومية. بعد تردد مرير صوت زعماء اليونان بأنهم يرغبون بالمواجهة. ولطالما كان قرارهم فإنه سيكون عليهم تحمل الأعباء الكبيرة التي يتطلبها أمر الإعداد للحرب وخوضها. قبل الشعب اليوناني كله تحمل هذه الأعباء، وفي غضون أيام كان عشرات الآلاف يتسابقون للتجنيد، مئات الآلاف يساعدون بطرق مختلفة، حتى النساء قدمن حليهن وحرضن أبنائهن على الاشتراك في الحرب. وبعد هذا كله، فإن قوام الجيش الذي اجتمع من كل مدن اليونان لم يبلغ حتى عشر الجيش الفارسي. لكن الروح المنبعثة للتو كانت أقوى من أي جيش. حتى العقل العسكري اليوناني أظهر تفوقا غير عادي. وهناك قصة جميلة ومضيق لا أتذكر اسمه يحكي بقية تفاصيل الانتصار العظيم. لقد هزم الفرس وطردوا أشد طردة. وأنا أفكر بتلك القصة وبذلك المأزق اليوناني، عرفت كيف يمكن تطبيق فكرة اليونان العظيمة على واقعنا، في مثل تلك الظروف السيئة التي مر بها هادي ومعه البلاد والشعب. بهذي الطريقة تقريبا: لطالما توفر كل هذا الزخم الشعبي، يفترض بالرئيس هادي، أن يخرج ويخاطب الشعب. سيحتاج لقول بعض الكلمات وستكون نهاية مرحلة سيئة بكل المقاييس وبداية لمرحلة جديدة يصنعها الشعب اليمني بنفسه. وأنا أفكر بالأمر تخيلت الرئيس هادي يوجه للشعب اليمني خطاب يخبرهم فيه، بكل ما يجري، يطلب مشورتهم ويحدد لهم الدور الذي يمكنهم أن يلعبوه اذا ما رغبوا حقا في قلب المعادلة. هذا الشعب بثورته ثم بالانتخابات هو من أوصل هادي إلى كرسي الحكم، وعليه أن يقول لهم ذلك، أن يخبرهم أيضا أنهم وحدهم من يحق لهم إعفائه من منصبه. يحدثهم عما تمر بها البلاد، عن تلك الأشياء التي يعرفونها بالضرورة، وعن حجم الغضب الذي يغلي في صدورهم، والذي يعرف أنه يغلي فعلا. يخاطب النساء والرجال الشباب والشيوخ، يخبرهم دون مؤاربة أن ثورتهم ليست وحدها مهددة بل كل مكتسبات الحركة الوطنية وتضحياتها، وكذلك مستقبلهم وأحلامهم بدولة يسودها العدل والرخاء. لابد أن الرئيس سوف يخبرهم عن واجبه الذي يحتم عليه مواجهة كل من يتربص بأمن واستقرار هذا البلد. لكنه سيوضح لهم المسألة، كيف أنه قدم للسلطة في تلك الظروف، وكيف سارت الأمور باتجاه مختلف، حيث اغلب الجيش لا يزال يخدم أسرة بعينها رغم أن بناءه وإعداده كان من أموالهم. سيخبرهم أيضا بأن واجبه الوطني يحتم عليه عدم الاستسلام لحفنة من القتلة لمجرد أن لديهم القوة، لكن سيفعل ذلك إذا ما قرر الشعب نفسه الاستسلام. "وإذا قررتم الحرب فسأكون في مقدمة المعركة". هذي هي الكلمات التي يمكن لرئيس جمهورية ان يقولها بينما يستعد للحرب. ثم يطالب كل فرد: نساء ورجال، شباب وشيوخ، عمال وفلاحين وطلبة. يطالبهم جميعا باتخاذ القرار. فالقرار في النهاية يجب أن يكون قرارهم. وبناء على ذلك يطالبهم بالتظاهر والتجمهر في اليوم الثاني في كل الميادين العامة لقول كلمتهم. سيصبح الأمر بمثابة استفتاء. "حجم الخروج هو من سيجعلنا نتخذ قرار الحرب أو الاستسلام وتسليم البلد للعصابة الإجرامية". المتوقع: في اليوم الثاني، كانت الميادين العامة فعلا سوف تكتظ بالناس الراغبين في المقاومة. بل أن تلك الحشود العظيمة كانت قد خرجت بشكل عفوي في تعز. وكما مثل خروج الناس في تعز، لرفض المليشيات سلميا، بداية لتشكل المقاومة المسلحة، فإن الخروج في بقية المدن اليمنية كان سيفعل نفس الشيء. خروج الناس في تعز للتظاهر سلميا، ساهم إلى حد كبير في تشكل مقاومة صلبة، حيث فشلت الحشود العسكرية والمليشاوية حتى الآن وبما لديها من عتاد عسكري ضخم ومتطور، فشلت في تحقيق مجرد اختراق. كل ما يحدث هو تقهقر. على أن الرئيس سيكون مطالبا بخطاب آخر بعد خروج الحشود. في المساء سيجتمع كل أفراد العائلة أمام شاشات التلفزيون في انتظار خطاب الرئيس. وسيكون الخطاب بهذا المعنى: سوف يشكرهم على الخروج. سوف يعلن الحرب. أو بالأصح سيخبرهم أن قرار الحرب هم من أصدروه عندما قرروا الخروج. ثم سيطلب منهم أن يقوموا بدورهم لطالما كان قرارهم. على أن يكون هناك آلية سريعة تستوعب كل الإمكانيات المتاحة في المجتمع لتوظفها في خدمة المعركة. هذه الآلية لابد أن تجد دورا لكل من يرغب في الحصول على دور، لكل من يرغب في مقاومة تحالف الثورة المضادة. لمتابعة قناة الاشتراكي نت على التليجرام اشترك بالضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة @aleshterakiNet