منزل عبد الله عبده حمود (والد عمار وشفاء) في قرية الشرف بعيد عن موقع المعركة بما يكفي لنومٍ آمن تلك الليلة، الحفيدة منار التي تحب جدها وجدتها تنام في منزلهم، أفراد العائلة يسلمون أنفسهم للنوم عسى الصبح القريب يكون أفضل وأكثر هدوءاً. شيء ما يدور في رأس عمار-أثناء لقائي به- ينظر نحو الأعلى وهو متكئ على يساره، عيناه تحكي وهو يحكي: حالتي النفسية صعبة، ولكن مقارنةً بحالة أختي شفاء فإن حالتي تهون. سعيد (زوج شفاء)، يقول: أذهب مع زوجتي إلى طبيب نفساني، هي لا تستطع النوم. قرية الشرف في أعلى جبل الصلو محافظة تعز، تنام على صوت الرصاص، وطلقات المدافع، 4 كم تقريباً هي المسافة التي تبعد عنها قرية الصيار وصفاء الصيرتين، اللاتي دارت فيهما معارك عنيفة بين القوات الحكومية والانقلابيين في تلك الليلة، الصيار كانت تحت سيطرة الإنقلابيين وصفاء الصيرتين تحت سيطرة القوات الحكومية. نسكت قليلاً، يقطع السكوت صوت صلاح سلطان (قريب العائلة) الذي حضر مع عمار وسعيد لمقابلتي في مقر الموقع "الاشتراكي نت" الإخباري، وهو محامٍ وبصوت جهور، يقول: أنت تعرف أن ما حدث جريمة بشعة، لو لم أكن بجانب عمار لأصابه الجنون، تخيل أن تفقد عائلتك كلها، والدك ووالدتك، والأخوة والأخوات الثمانية، شفاء أخته فقدت طفلتها منار. يضيف صلاح: كانت المعارك على أشدها، لم تتوقف ولم يتوقف هدير الطائرات طوال الليل، يستيقظ أهالي القرية بسبب صوت غاراتٍ بعيدة، (الطيران استهدف منزلاً في قرية مقبرة الشاعر، ومدرسة عثمان بن عفان في قرية الحود)، ولم يكن أهالي الشرف ينتظرون موتاً جديداً.. لم يخطر ببالهم أن فجر السبت 29 أكتوبر 2016 يحمل حدثاً جديداً سيغير تفاصيل حياتهم. عمار يرن هاتفه الخليوي، يجيب، وينهض مفزوعاً... أما في القرية فقد اخترق الضوء نوافذ البيوت المغلقة، تبعه هزة عنيفة وصوتاً مدوياً، سكان القرية فزعوا، وحلت الضوضاء، الرجال يخرجون من منازلهم نحو اتجاه الصوت، النساء تصرخ وتنادي: الانفجار في بيت عبد الله عبده حمود، تعالوا أنقذوا، تعالوا أنقذوا! ينظر صلاح نحو عمار، ويقول: تجمع كل سكان القرية حول البيت، سمعوا صوت أنين عبد الله عبده حمود تحت الأنقاض، كان ما زال حياً، حاولوا نجدته، ولكن صوت الطائرة المرعب يعود من جديد، ولشعورهم بالخوف استجابوا للفرار، زينب عبده حمود (أخت عبد الله عبده حمود) وسعيد وزوجته شفاء وقريبين للعائلة، لم يتزحزحوا من أماكنهم، وظلوا يستنجدون أهل القرية بألا يتركوهم وأن يحاولوا إنقاذ من بقي حياً، ولكن استمرار تحليق الطيران على علوٍ منخفض منع الجميع من العودة. عمار اتجه مع ابن عمته صلاح في رحلةٍ طويلة تستغرق ساعات طوال من صنعاء إلى القرية، لقد قالوا له أن أخوته ما زالوا أحياءً. صلاح وعمار يضيفان: تجمع أهل القرية من جديد حول الأنقاض، عملوا بجهدٍ كبير واستخدموا أدواتهم الزراعية من أجل اخراج الجثث وإنقاذ عبد الله عبده حمود الذي كان يأن ويقول له المنقذون: اصبر يا عم عبد الله! لقد كان أفراد العائلة أشلاءً فاقدي الحياة، ولم ينجُ عبد الله عبده حمود ولكن ابنته كاتبة (25 عاماً) كانت على قيد الحياة ونقلت إلى مستشفى في دمنة خدير (ساعة تقريباً من قرية الشرف بسبب وعورة الطريق وصعوبة التنقل الآمن) ولكنها توفيت في المستشفى، الابن منصور عبد الله عبده حمود (26 سنة- تخرج من المعهد العالي للعلوم الإدارية- صنعاء) أيضاً أخذ إلى المستشفى بعد ظنهم أنه ما زال حياً، ولكنه كان قد فقد الحياة.. استمرت عملية رفع الأنقاض حتى ظهر ذاك اليوم، ونقلت الجثث إلى المسجد ومنزل والد صلاح سلطان وتم دفنهم في مقبرة القرية، بعد وصول عمار وصلاح من صنعاء. استمر البحث بين الأنقاض عن أعضاء انفصلت عن أجسامها لمدة 3 أيام، ودفنت تلك الأشلاء بعد دفن أصحابها. ينظر عمار نحو الأعلى، والأسى يملأ وجهه، ويقول: الفاجعة تؤلمنا كثيراً، والدي كان ميسور الحال ولا ينتمي لأي طرف من أطراف الصراع، هو مزارع أمي. كان عمار يتحدث وأنا أشاهد الصور المؤلمة التي أرفقت في ملفٍ عن المجزرة قدمها قريبه صلاح سلطان، وأكد لي أن عمار لم يشاهدها أبداً ومنع من مشاهدة وجوه جثث عائلته أثناء حضوره الدفن. الملف أيضاً حوى صور بقايا الصاروخ التي جمعت من مكان الاستهداف ومن أماكن مختلفة من القرية حسب قول صلاح سلطان الذي أضاف: بعد استهداف المنزل بصاروخ ووفاة كل من فيه، لم يلتفت إلينا أحد، لا الجهات الأمنية التي يسيطر عليها الإنقلابيين ولا الجهات الحكومية أو المنظمات الإنسانية والحقوقية ولم يتبقَ لعمار شيء، فقد عائلته ومنزله وكل ممتلكاته، لقد قطعت شجرته وصارت ركاماً. البيت التي دمرت تم بناءها قبل 5 سنوات وهي مكونة من طابقين كل طابق يحوي 6 غرف مع التوابع. عاشت القرية أياماً مرعبة بعد الحادثة، كلما سمعوا صوت الطائرات يخرج الجميع من بيوتهم، واستمر الخوف حتى نزح السكان جميعهم من القرية.. عمار وشفاء وزوجها ووالدة صلاح نزحوا إلى صنعاء، تركوا القرية خاويةً بعد سيطرة الإنقلابيين عليها، وهم الآن يسكنون منزلاً صغيراً يصعب عليهم دفع إيجاره الشهري. عمار يخرج من سكوت طال، ويقول: نحن بحاجة للفتة إنسانية، جبر الضرر لازم. قناة الاشتراكي نت_ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة @aleshterakiNet