الأزمة اليمنية أزمة مركبة ومتعددة بأبعاد ومعالم "تاريخية وحديثة، داخلية وخارجية" عجزت كل الحركات التحررية والمكونات الوطنية عبر تاريخها القديم والمعاصر عن ايجاد حلول جذرية تستوعب كل أبعادها. الخطأ المتكرر الذي وقعت فيه تلك الحركات والمكونات انها ظلت تتناول الأزمة من زوايا ضيقة ابقتها اسيرة لمناقشة التفاصيل الجزئية بعيدا عن المنظور العام دون تجاوز لحدودها الجغرافية حتى تضع في اعتباراتها طبيعة المصالح الإقليمية والدولية فيها وعلى المستوى العالمي. كان مؤتمر الحوار الوطني المنعقد عقب ثورة فبراير الشبابية الشعبية السلمية 2011 هو المحطة الوحيدة التي نجح فيها اليمنيين الى حد كبير بالخروج برؤية معقولة للقضية اليمنية لكن القوى والشخصيات المشاركة فيه لم تراعي الجانب الإقليمي الدولي ومصالحه بشكل مناسب. حيث لم تولي في حساباتها جيدا توجهات الدول المؤثرة في القرار الدولي سواء منه من لا ترغب بقيام اليمن الديمقراطي القوي، و تلك التي تريده يمناً على مقاسها، او من تسير نحو تشكيله وفق قواعد حكم الاقليات والطوائف، و من تسعى لجعله دويلات عديدة وغيرها. المفارقة العجيبة ان أعضاء مؤتمر الحوار اسقطوا ذلك من حساباتهم رغم الحضور الدولي والإقليمي وتأثيره الكبير في إدارة الحوار ورعايته وتوجيه المشاركين فيه. ومن نكد الدنيا على اليمن وأبنائه ان عملية التغيير المنشودة عبر مؤتمر الحوار الوطني قد تعطلت بانتقالهم الى طور مرحلة جديدة تمثلت بالانقلاب على الشرعية والمخرجات، ونشوب الحرب بسبب ذلك والتي توشك ان تدخل عامها الرابع. ما يعمق حال النكد هذا ان نجد المكونات الوطنية الرئيسية والكثير من النشطاء السياسيين والاعلاميين يعيشون مأزق من سبقهم في الغرق بالتفاصيل الجزئية بعيدا عن القضية اليمنية بمنظورها العام. زد على ذلك تغافلهم لطبيعة التحرك الدولي ومصالحه الاستراتيجية رغم تأثيره الكبير على مسار الأحداث في اليمن. ربما يكون انسب مثال على ذلك الطرح الأبرز الذي يتطرق اليوم لضرورة ضرب الانقلابيين عسكريا والقضاء على مشروع دعوات الامامة والاستعلاء السلالي والحد من الاختلالات الحاصلة في منظومة الشرعية ، وتمكينها من ادارة المناطق المحررة. وهو طرح سديد لكن اصحابه لا يدركون أهمية الدولة فيه ولا يصرحون بأهمية التفاهم الواضح بين الشرعية بمكوناتها وبينها وبين التحالف الداعم لها. فلا يمكن الحاق الهزيمة بالانقلاب، او استعادة ثقة العالم بالشرعية والقبول باستمرار تدخل التحالف الداعم للشرعية، دون الوصول لرؤية استراتيجية بين اليمن والتحالف خاصه منه السعودية والامارات. تُرسم من خلالها حدود الشراكة وضمانات السيادة الوطنية وحق اليمن في استغلال ثرواته و توازن المصالح بينه وبين ودول الإقليم والدول الكبرى وتحديد طبيعة اي دور قادم وتزمينه ووضع حد لمعاناة اليمنيين بوضع وإنهاء الانقلاب والحرب. ولا يمكن ايضا مجابهة المشاريع الصغيرة والدعوات الرجعية الا بعودة الدولة وفق الاسس المتفق عليها في مخرجات الحوار وايجاد الاليات المؤسسية المعنية بخوض هذه المعركة بخلق ثقافة جديدة تؤمن بالمواطنة المتساوية وتعمل للوطن الكبير.