البروبجندا الواضحة التي تمارسها مراكز القوى التقليدية على شخص الرئيس السابق، لم تتوقف يوماً ولم تخضع لاتفاق التسوية المفترض به أن يكون.. وعلى ما يبدو أن الرئيس الانتقالي الذي تنتهي فترة ولايته بعد أيام قليلة، كان على توافق تام مع الحملات التي زلزلت التوافق والحوار بسبب التمترس خلف الأحقاد والحسابات الخاصة التي لا تبني يمناً جديداً البتة! آخر الحملات الإعلامية، هي تلك التي تتهم الرئيس السابق بدعم الحوثيين خلال مرحلة انهيار إمبراطورية الأحمر الآفلة. والسؤال المباشر الذي يفرض نفسه هنا ونحاول الإجابة عنه هو: هل يفكر رجال القبائل بإشعال حربٍ مع الرئيس السابق؟ ولصالح مَنْ.. ومن الداعم.. ومن المستفيد؟
ما نلاحظه منذ الأمس وحتى اللحظة، هو أن عجلة التعبئة المستمرة ضد النظام السابق تدور بشكل يفوق عجلة العملية الانتقالية.. وهذا واضح من خلال التمديد كدليل واضح على بطء عجلة الفترة الانتقالية، في حين أن عجلة التحريض ضد الرئيس السابق تبدو أسرع وتحتاج لإيقاف قبل انهيار المنطقة الضعيفة، صنعاء، وتفجيرها على نفسها. الهزيمة التي تعرَّض لها بيت الأحمر في حاشد، جاءت بفضل الكراهية الكبيرة لتلك العائلة في حاشد، وهذا من أهم العوامل التي استغلها الحوثي ليبطش بهم، غير أن الأخير، كعادته، يبدو أننا ملزمون بالاعتراف له بالذكاء البرغماتي على الاعتراف له بالقوة.
حاول بيت الأحمر تحشيد الناس في معركتهم على النفوذ تحت لافتة دعم السلفيين الذين يحظون بسمعة طيبة عند اليمنيين.. ولأن السلفيين كانوا قد وقفوا ضدهم في أزمة 2011 وأيدوا الرئيس السابق، فقد استغل بيت الأحمر هذه النقطة ضد صالح بغرض تشويه صورته أمام باقي حلفائه من جهة؛ ومن أجل زيادة التحريض عليه من قبل آخر طرف إسلامي يحظى باحترام لدى الأوساط الاجتماعية والسياسية وخاصة لدى المؤتمر الشعبي العام، من جهة ثانية.. وهو ما تم، إذ لا يمكن إنكار أن أنصار صالح انقسمت آراؤهم وتنوَّعت حيال الموقف من حصار الحوثي لدماج، إلى ممتعضين حتى من رئيس الحزب، فذهب بعضهم إلى استنكار الموقف.. وبعضهم ذهب إلى تأييد إشاعات دعم صالح للحوثي.. وبعضهم تطرَّف في التمسُّك بالإشاعة لغرض الانتقام من الإخوان كلامياً، غير أن فئة صغيرة من الأنصار تمسَّكت برؤية المؤتمر من الحرب ورفضت الحديث عنها واعتبرت دعمها خيانة! كما نص الموقف الرسمي للحزب باعتباره حزباً مدنياً ولا يريد الانجرار لفخ الطائفية!!
انتهت معركة دماج بموقف شكَّل صدمة لليمنيين، باعتبار خروج السلفيين من موطنهم يُعد ظلماً فادحاً..
صحيح أن اليمنيين استهجنوا قرار هادي بترحيل السلفيين واعتبروا هادي ليس عادلاً وموقفه يعتبر جزءاً من مؤامرة وصفقة التمديد.. غير أن الإخوان ما فتئت أجهزتهم تنقذ هادي وتشتغل على تلميع صورته المهترئة يومياً مقابل أن تلقي باللائمة على الرئيس السابق كالعادة بهدف جعل الحقد هو الموجه السياسي للسلفيين إذا ما فكروا بالانتقام من صالح مستقبلاً، خاصة وقد انتقلوا إلى صنعاء، حيث تفصلهم عن صالح مسافة قصيرة!!
وكان من الطبيعي أن لا تنتهي الحرب برحيل السلفيين وتوقيف القتال في دماج، نظراً لكون الحرب أصلاً في دماج كانت مجرد واجهة لصراع المصالح الحقيقي.. وفعلاً استمرت الحرب وظهرت الحقيقة كاملة وبدون رتوش لتظهر طبيعة الصراع السياسي بين جماعة الحوثي والإخوان وبيت الأحمر!! والتي انتهت بهزيمة بيت الأحمر!!
وسواءً انتهت الحرب بانتصار الحوثي أو العكس، فإن بيت الأحمر على عجالة من أمرهم في التخلص من الرئيس السابق.. ولذلك لم تتوقف حملاتهم الإعلامية عبر أكثر من 60 موقعاً وصحيفة في التحريض على الرئيس السابق، يساندهم في ذلك رغبة الرئيس هادي في بناء قوته تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام وامتلاك قوة صالح السياسية الهائلة! والحقد العجيب الذي يبدو عليه جمال بنعمر، المبعوث الأممي، لدرجة أن ينفر حتى من أمة العليم السوسوة المحسوبة على المؤتمر وزميلته في الأمم المتحدة!
على ما يبدو أن بيت الأحمر سيحاولون تعويض الخسارة التي نالوها في حاشد وترقيع الامبراطورية المنهارة بإفراز عضلاتهم على المنطقة الضعيفة، صنعاء، وهو ما حدث فعلاً فور إعلان انتصار الحوثي، حيث كانت الهزيمة والحقد تمنعهم من التفكير جيداً، فبادروا إلى إطلاق صواريخ باتجاه منزل الرئيس السابق عقب ساعتين من إيحاء أطلقه الشيخ حميد الأحمر عبر صفحته في الفيس بوك قائلاً: لا تستعجلوا.
وهنا يفرض السؤال نفسه: هل سيقود الأحمر حرباً للتخلص من صالح ومن سيدعمه؟؟
على ما يبدو أن الرغبة في تعويض الصورة المهترئة بدون تفكير كادت أن تدفع ببيت الأحمر للانتقام مباشرة من هادي وليس صالح فقط، وهذا واضح من خلال تهديد حميد الأحمر للرئيس هادي سواءً إعلامياً أو عبر لسانه الناطق توكل كرمان أو عبر الصاروخ الذي استهدف مجمع الدفاع، إضافة للصاروخ الذي أطلقه باتجاه منزل الرئيس السابق، غير أن هناك أطرافاً، على ما يبدو، أقنعت حميد بالعدول عن قراره وانتظار الفرصة المناسبة للانقضاض على الرئيس السابق وعدم معاداة الرئيس هادي الآن؛ كونه يحظى الآن بدعم أممي.
الأيام القادمة كفيلة بإظهار التحالف السري بين بيت الأحمر والرئيس هادي الذي يتلهف لإزاحة الرئيس السابق، ليس من موقعه السياسي الحزبي، بل ومن اليمن بأكملها لأسباب خاصة في هادي ذاته، تقوم على قاعدة أن بناء القوة في ظل وجود مراكز أطراف قوية يبدو صعباً، وبالتالي عليه إزاحة طرف والجلوس مكانه على مائدة الغنيمة والنفوذ والطرف الأسهل لهادي بأن يحتل مكانه من وجهة نظر هادي، هو المؤتمر الشعبي العام، وبالتالي يفترض إقالة صالح منه سريعاً.
غير أن من المهم التنويه إلى أن هادي يعمل ضمن مسارين: فهو إلى جانب محاولة السيطرة على قوة صالح الشعبية والسياسية المتمثلة بالمؤتمر، يضع هادي لنفسه مساراً يشتغل عليه بقوة، في حال فشل المسار الأول، من خلال الاستفادة من صراعات وتناقضات مراكز القوة في بناء قوته التي ستقوم على إضعاف حصصهم جميعاً والإفساح له لكي يعمل على إخضاعهم.. وهذا المسار يبدو صعباً للغاية، ولكنه يشتغل عليه، في حين أن عينه لاتكل من التركيز على المسار الأول والرغبة الجامحة للسيطرة عليه ويسانده في ذلك جمال بنعمر وبعض الشخصيات والقوى السياسية الدينية واليسارية على حد سواء.
توقعات مستقبلية..
- التحالف القائم بين هادي والحوثي والأحمر على التخلص من الرئيس السابق وكل ما يمثله مركزه، قد يدفع بأي منهم للانقلاب على الحصانة والتسوية السياسية من باب جديد هو باب الصراع القبلي، وقد يواجه علي عبدالله صالح حرباً قبلية في صنعاء في الأيام القريبة تقوده قبائل الأحمر التي بدأت تعيد متاريسها إلى الحصبة مؤخراً بإيحاء أو بدعم أو ضمن صفقة مع هادي.
- غير أن خوف الأحمر من أن يستغل هادي ذلك ليقضي عليه نهائياً؛ هو الآخر يقلل من هذا الاحتمال عدا في حالة عقد الأحمر مع هادي اتفاقاً سرياً بعدم تضمين اسم الأحمر وما يمثله في أي عقوبات دولية قادمة يعتبر جواز مرور لإشعال حرب قبلية للتخلص من صالح.
- هناك احتمال كبير بمواصلة استفزاز صالح وصناعة المبررات له بتفجير الموقف، وحتى إن لم يفجره فإنهم يكونون قد خلقوا لأنفسهم غطاءً لتفجيره دون أن يكونوا هم في الواجهة، أما إذا تنازل صالح عن الاستفزازات التي ستتكثف بقوة، فإنهم سيتهمونه بأنه وراء تفجير الموقف شاء أم أبى.. وهذا ما يُسمى بتوريط الضحية المستهدفة والاقتتال باسمها، ويلزم لذلك تضحية دموية ذاتية تقوم على طعن المستعد للهجوم بصناعة طعنات في جسده كي يبرر الهجوم، وما أحداث جمعة 18 مارس إلا شاهد على هذه التقنية.
وقد بدؤوا من الآن بإطلاق المغريات لصالح كي يعلن حرباً وذلك بقضية فضل ذيبان، المتهم الرئيس بتفجير مسجد الرئيس.. حيث أعلنوا أنهم القوا القبض عليه.. ثم أعلنوا أنهم أطلقوه.. ثم قالوا إنه مشتبه به. ولكن صالح انتبه لهذا الفخ، فلم يعلق ولم يصدر بياناً رسمياً أو موقفاً، وكأنه يقرأ ما في عقولهم.
- في حال تحرك التحالف الإقصائي لإزاحة صالح نهائياً من المشهد، فإن ذلك سيفجر حرباً قد لا تنتهي بسهولة أو كما يتصور بعض من قضوا سنتين في أبراجهم العاجية، وهي حرب قد تهز آخر أركان الدولة المتبقية، كما أن الأحمر سيفشل وكل ما قد يفعله من حماقات لا يعني إلا آخر فشل يريد الأحمر أن يفعله؛ نظراً لعدم امتلاكه القدرة الكافية للاستمرار في حال فشل الصلح في حاشد.
إلا أن من المهم التنويه إلى أن هادي سيكون أكثر المستفيدين، كما هي عادته، باستثمار الأزمات والمشاركة في صناعتها، خاصة أنه، وفي أقل نتائج التوقعات لاحتمالية نشوب حرب، فإن الأحمر وصالح سيخسران مقارنة مع هادي الذي يراكم قوته من خلال دعم وتشجيع صراع المتناقضين وتصادم مصالحهم التي تتآكل يومياً.