حول هذه المائدة يكون الاجتماع، غير أن هذه المائدة ليست كسائر الموائد التي يعرفها الجميع، ولا هي مثل بعض الموائد التي يجلس حولها أو حتى تحتها البعض من عشاق الموائد الدسمة وعشاق الامتيازات الخاصة التي قد لا يستحقونها. وعلى هذا فإن مائدة الديمقراطية ليست مائدة لاقتسام الغنائم ، إنها مائدة للحوار والتقارب، لها لغتها الخاصة بها، ولها مستلزماتها ووسائلها وطرقها التي تليق بها وتليق بمن يجلس حولها ومن يفكر بالجلوس لاحقاً. قد تجمع هذه المائدة حولها أصحاب رؤى وأصحاب وجهات نظر وآراء مختلفة أو متباينة، لكنها لا تقود إلى العدوان والكراهية والبغضاء والحقد والانتقام، أو على الأقل لا ينبغي أن تكون كذلك ،ولو لم يتساوَ ما عليها حين يتوزع على من حولها بالانتخابات التي هي الوسيلة الوحيدة للتقسيم، أو بالأحرى ليأخذ كل واحد من الجالسين قدره ومقداره ووضعه الحقيقي من غير زيادة أو نقصان، ولهذا فإن طريقة الأخذ هذه التي تتم من خلال الانتخابات النزيهة والحرة هي التي يمكنها حسم الخلاف أو الخلافات التي تحدث في مثل هكذا حالة، وبالتالي فإنها الطريقة المثلى وإلا ما كان للعالم أو المجتمعات التي تؤمن بها وتمارسها أن تقبل بنتائجها وتبقي عليها وسيلة دائمة لهذا الغرض. لكن قبل هذا كله يجب أن نشير إلى أن الديمقراطية التي نتحدث عنها ونصفها بالمائدة التي يجتمعون حولها هي ديمقرطية تحكمها الأخلاق ومصالح الناس كل الناس، ديمقراطية تنشأ وتترعرع في أوطان أصحابها، فلا تفرض عليهم ولا ترمى من قاذفة أو بارجة مع الصواريخ والقذائف وسائر المتفجرات، ولا تأتي على متن دبابة تسير على جثث القتلى وأكوام الدمار، ديمقراطية يرتضيها بحدودها المعقولة من يمارسها، وإن شابها القصور هذا اليوم فغداً لن تكون كذلك حتى يستقيم العود كما يشاء الجميع أو كما يفترض أن تكون. وبالطبع لن تخلق ديمقراطية مكتملة ناضجة من أول وهلة، ثمة نوايا جادة وملموسة أن تجرى الانتخابات المحلية والرئاسية القادمة بطريقة أفضل من سابقاتها، وهو ما يؤكد وسوف يؤكد لاحقاً حقيقة التطور المنطقي الذي تمر به كل دمقراطية محلية المنشأ أو حتى منقولة بعقلانية ووعي وإدراك المهم أن لا تكون مفروضة على طريقة من يفرضها، فهذا النوع هو الذي يخلط الأوراق ويُحدث الإرباك ويجلب الفوضى والدمار. حول مائدة الديمقراطية اليمنية وبحضور النوايا الجادة والحريصة على إجراء انتخابات متميزة ، فإنه من المؤكد أن الواقع الذي سوف يلي هذه الانتخابات سيكون أفضل بكل المقاييس محكوماً بالقناعات وراضياً بالنتائج مهما كانت حصص المتنافسين والجالسين حول هذه المائدة التي نريدها أن تكون للحوارات المسئولة والتنافس الشريف الذي يؤثر مصالح الناس والوطن على ما سواها.. نريدها للبناء بشتى صوره، والتواجد والتآخي والارتقاء بالوعي، نريدها مائدة للمحبة مهما كان الخلاف أو الاختلاف.