* 15 / 10 / 2006 م ظلّت مدينة عدن على امتداد التاريخ اليمني المعاصر مدرسة ثورية ورافداً نضالياً من الطراز الفريد، وقلعة تنويرية بكل ما لهذه الكلمة من معانٍ، وكانت حركة المطابع فيها وعدد الصحف التي تصدر منها تخطو جنباً إلى جنب مع كل طلقة نضالية باتجاه المستعمر.. مثّلت الكلمة الإصرار المتجدد لدى اليمنيين، فتوافد إلى هذه المدينة الرائدة مناضلو ثورة سبتمبر، فأخذوا يتعلمون أبجديات العمل الثوري المنظم، وتلقوا دروساً نضالية عملية على يد زعيم الأحرار اليمنيين المناضل الشهيد الشيخ/عبدالله علي الحكيمي، غدت حينها مدينة عدن مزاراً ثورياً ونضالياً لكل مناضلي الثورة اليمنية ورجال العمل الوطني على اختلافهم. ما إن أطلقت شرارة الثورة من جبال ردفان حتى كان المناضلون جميعاً يرصّون صفوفهم ويكتبون بدمائهم الزكية الطاهرة ملحمة شعب وثورة وطن، في معركة إنسانية فريدة، كانت الثورة في شمال الوطن قد شكّلت لها العمق النفسي والتوهج الروحي؛ ظهر ذلك جلياً في قوة الإرادة وصلابة العزيمة والتصميم على رحيل الاستعمار وخروجه من أرضنا ووعينا إلى الأبد، في لوحة نضالية رسمتها أنامل ومهج عشقت الوطن حتى الثمالة، إنه عنفوان شعب وبركان حضارة متجذرة في أعماقه. ثورة أكتوبر دعوة صادقة للسلام والتعايش الإنساني المتكافئ، ويجب أن تبقى كذلك ثورة تجدد في وعي اليمنيين وحياتهم التوق إلى الحياة المستقرة السعيدة المزدهرة، ثورة ضد الفقر والجهل والتعسف واللا مساواة مثلما هي ثورة تدفعنا على الدوام لبناء الحياة على أسس وقواعد سليمة غير مرتجلة، تحترم الإنسان وتحافظ عليه وعلى حقوقه وكرامته، تأخذ بيد الجميع إلى الإبداع والتميز والعطاء اللامحدود، لا أن تتحول الثورة إلى محرقة للكفاءات وطاردة لها، أو تغدو رحى خبيثة تطحن الناس ليلتهمهم المرتزقة هنا أو هناك، وتحيلهم مع مرور الزمن إلى فاقدي الحواس والإمكانيات والآمال والطموحات. ثورة أكتوبر جاءت لتعلّم الأجيال اليمنية على امتداد الحاضر والمستقبل أن الحرية والحكم الرشيد تنتزع بالنضال المستمر، وأن البناء الوطني السليم لا تقوم به الأيادي المرتعشة الخائفة من المجهول، وان الإصلاح والتجديد والتغيير ثورة سلمية مستمرة تدفع بالإنسان اليمني إلى ملامسة حقوقه وأداء واجباته كاملة، ثورة جاءت لتعزز المواطنة المتساوية وتحميها. مازلنا جميعاً نناضل ضد أمراضنا منذ اللحظة الثورية الأولى لثورتي سبتمبر وأكتوبر حتى لا تصبح دماء شهدائنا الأبرار التي استرخصوها لينعتق الوطن كله من أقصاه إلى أقصاه لوحات تذكارية باردة؛ فتموت في أوردتنا العزيمة الوطنية ونذهب جميعاً إلى دائرة النسيان، والسبب كل السبب وعينا الفاسد بعظمة الوطن وأهميته وتخاذلنا عن القيام بدورنا الوطني كل من مربعه وقدرته، استحوذ الجشع علينا فعطّل قدراتنا على التفكير، وحوّلنا إلى آلة فساد وعبث من الطراز الرديء. لنقرأ جميعاً أسفار ثورتنا المجيدة، لندع دماء شهدائنا تمر في أوردتنا من جديد كي تعقمها مما أصيبت به من نسيان وتخاذل وصمت ولا مبالاة، لنجدد ميلادنا كلما هلّت علينا الذكرى وتحركت في أوردتنا الدماء الزكية وإرثنا الحضاري، وحبنا لوطن تنقصه المحبة فقط.