ذات يوم احتفت البشرية بالاعلان عن اختراع البارود، فالثورة الصناعية الأوروبية قهرت كل شيء لكنها كانت تقف أمام الجبال مقهورة، لانها تقطع عليها مسار قطاراتها، وعرباتها.. حتى امتلكت البارود فنسفتها لتواصل حضارتها السير قدماً نحو الأمام. أوروبا، والعالم كله اليوم يلعنون الصدفة التاريخية التي قادتهم إلى البارود، لانه وحده الذي ترتكب به أبشع المجازر البشرية، وبعد ان كان يهد منغصات تقدم ركب الحضارة صار يقف في طريقها، ويغتال أمنيات شعوب كثيرة في العيش بسلام، بعيداً عن كوابيس الموت والقتل والخوف.. فليس من شيء يعكر صفو الحياة الانسانية في هذا الزمان مثلما يفعل السلاح..! في اليمن كان السلاح الناري توأم المستعمر، فقد دخل للمرة الأولى بايدي جنود المماليك في حوالي 922ه وعندما رحل المحتل بفعل المقاومة الشعبية ترك لنا لعنة السلاح، الذي مازال يرتكب الجرائم تلو الجرائم دون ان يوقفه أحد فهو من يغتال الآباء والأمهات والابناء في ساعة غفلة منهم.. وهو من يختطف السياح في لحظة انبهارهم بحضارة اليمن السعيد.. وهو من يقطع طريق الاستثمارات ليحول دون دخولها أراضينا.. وهو الذي هدم بيوت العز، وحولها إلى خراب، وأذل كرامة أهلها بعد ان يتّم الاطفال ورمّل النساء، وقطع الأرزاق.. ولم يزل يعبث بسلام الحياة من غير أن يصوب فوهته يوماً إلى صدر عدو يتربص بالوطن سوءاً. من يتابع الأخبار يعرف أنه لايمر يوم دون سقوط ضحية بفعل السلاح.. فيما الاحصائيات التي تكشفها وزارة الداخلية بين حين وآخر مخيفة، وترسم ملامح مأساة حقيقية تعشعش في جانب ما من حياتنا اليومية. فكم هو مريع ماحدث في عمران مساء السبت الماضي عندما قتل الزوج زوجته بالمسدس، وعندما همّت الشرطة بالقبض عليه أطلق رصاصة إلى رأسة وانتحر من نفس المسدس، وفي نفس الساعة، ليدفنا في النهاية في نفس القبر هو وزوجته الجاني و المجني عليه.. تاركين وراءهما اطفال أكبرهم لايتجاوز الرابعة عشرة. وأمام هذه الظاهرة السلبية يتفاجأ المرء أن ممثلي الشعب في مجلس النواب مازالوا متمسكين بموقف رافض للمصادقة على قانون تنظيم حمل وحيازة السلاح المرفوع من قبل الحكومة للبرلمان منذ عام 1999م، بينما حسموا قضية الامتيازات المالية لاعضاء البرلمان في غضون اسبوع، كما لو أن المصالح المادية للبرلمانيين تتقدم في أولوياتها على مصالح مايزيد عن «22» مليون مواطن يمني، الذين كان لهم فضل صعود هؤلاء الناس إلى المقاعد البرلمانية. ولو تجاهلنا هذه الحقيقة المرة التي سأمت شوارع صنعاء وعواصم المحافظات من المسيرات والتظاهرات لاجلها.. فإننا نفاجأ أيضاً أن ساحة المجتمع المدني خالية من منظمات مكافحة الاسلحة باستثناء واحدة هي منظمة «دار السلام» التي رغم كل الجهود التي يبذلها القائمون عليها من المتطوعين فإنها تفتقر للدعم المادي و التقني، والرعاية الحكومية الكافية التي تؤهلها لتوسيع انشطتها بمايعود على المجتمع بأكمله بالخير والسلام والأمن. ولعل الأفظع من هذا أن حملات الدعاية الانتخابية الرئاسية والمحلية أتت على كل لوحاتها التوعوية المنتشرة في مختلف ارجاء الوطن، وقضت عليها، فاختفت الارشادات التحذيرية من مخاطر السلاح وحلت فوقها صور المرشحين وملصقاتهم التي تطالب الناخبين بترشحيهم.. فكيف تستوي احوال الديمقراطية بغير حماية واية ثقافة هذه التي تبيح للبعض تفضيل نفسه على ارشادات توعوية لتأمين المجتمع مخاطر الموت أو الاعاقة بهذه الاسلحة المحمولة على الأكتاف في الافراح والاتراح، وحتى ساعة اصطحاب الاطفال إلى احدى حدائق الملاهي!؟ أكثر من «1900» لوحة كبيرة انتهت بين يوم وليلة، فأي احباط يمكن أن يصيب العاملين في هذه المنظمة وهم يرون الجميع غير مكترث لمكافحة ظاهرة قضت مضاجع اليمنيين، وأعاقت مسيرتهم التنموية، وظلت بين الفينة و الأخرى تطل برأسها في هذه القرية أو تلك لتشوه سمعة اليمن واليمنيين. قبل يومين تحدثت إلى رئيس المنظمة الشيخ عبدالرحمن المروني، فوجدته مقهوراً، والحزن يدمي قلبه، وحين قلت له بماذا عسانا نستطيع مساعدته، اجابني اجابة مفاجئة، إذ قال لي: كلكم لاتستطيعون عمل شيء إلا رجلاً واحداً، وهو الرئىس علي عبدالله صالح، لانه الوحيد الذي يعرف صعوبة صناعة السلام ويقدر كل جهود سلمية، فهو صانع السلام ويعرف أي ثمن تستحقه لحظة سلام تقدمها لطفل قتل الثأر أبوه.