إذا كان اقتصاد السوق هو أهم التجليات الاقتصادية لعصر العولمة فإن أهم التجليات السياسية لهذا العصر تظهر في الاهتمام المتعاظم باحترام حقوق الإنسان وتأكيد عالميتها وعدم تجزئتها، حتى أصبحت شرعية الحكم في أية دولة تقاس بمدى احترام حقوق الإنسان، وهناك فرق واضح وشاسع بين طرح قضية حقوق الإنسان لأغراض إنسانية، وطرحها من قبل الغرب لأغراض الهيمنة والنفوذ، حيث أصبحت حقوق الإنسان ظاهرة عالمية بعد أن كسرت أطروحتها أسوار الحدود المحلية والإقليمية. وما من شك من نظرة الدول الكبرى لحقوق الإنسان واستعملتها كوسيلة لتحقيق غايات سياسية لتضع الدول في إشكالية يسمح لها بالتدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية، ذلك هو الجانب المظلم لعولمة حقوق الإنسان، أما الجانب المضيء فهو فرض المحافظة على حقوق الملايين الذين يعانون صنوف الاستعباد من دول لا تؤمن بحقوق الإنسان ولا تقيم لهذه الحقوق أي وزن بالعمل وبالتصرف، ومع موافقة معظم دول العالم على أكثر من 100 معاهدة واتفاقية وعهد دولي أصبحت تلك الاتفاقيات مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي المرجعية الدولية لحقوق الإنسان، فضلاً عن ذلك أنشأت الأممالمتحدة آليات لمراقبة تنفيذ الاتفاقيات المهمة من هذه المنظومة ، وعلى الدول المنظمة لهذه الاتفاقيات أن تقدم تقارير دورية توضح فيه مدى التقدم الذي أحرزته في تطبيقها، وعليه فإن فكرة العالمية في مجال حقوق الإنسان هي الأساس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والتي على أساسها أصبحت حقوق الإنسان جزءاً من القانون الدولي، ونتيجة لذلك فإن تأريخ حقوق الإنسان وتجربة الأممالمتحدة وممارساتها تؤكد عالمية حقوق الإنسان، كما أن جميع الدول أعضاء الأممالمتحدة بمجرد انضمامهم إلى المنظمة الدولية ألزموا أنفسهم بمبدأ عالمية الحقوق الواردة في ميثاق الأممالمتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتبعاً لذلك فإن عالمية حقوق الإنسان تعني أن يشيع في العالم احترام كافة الصكوك الدولية لحقوق الإنسان دون تمييز أو مفاضلة ، وأن يستفيد العالم من منجزات التطور التقني في نشر الأفكار الرامية إلى إحداث نوع من التقارب بين البشر محوره كرامة الإنسان الذي لن يصبح في معزل عن أخيه الإنسان وآلامه في شتى بقاع الأرض من الجانب المظلم لعولمة حقوق الإنسان ما صرح به ( جوشوا) joshua muravchick وهو أحد أبرز باحثي السياسة الخارجية الأمريكية الذي أظهر اعتقاده الصريح بإمكانية أن تلعب الولاياتالمتحدةالأمريكية دوراً مهماً في نشر الفهم الغربي لحقوق الإنسان من خلال الدبلوماسية الهادئة، والمساعدات وحتى من خلال العمل العسكري إن لزم الأمر. ومن الجانب المضيء لعولمة حقوق الإنسان صدور عدة وثائق من داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية ومن المختصين في شؤون حقوق الإنسان كشفوا جميعهم التصورات الأمريكية الخاطئة لقضية حقوق الإنسان بسبب الانتقائية فيما تطرح وبما يبرر السياسات التي تنتهجها وعولمة طرحها في العالم بما يتناسب واستراتيجيتها الكونية ، وقد حذرت منظمة مراقبة حقوق الإنسان في تقريرها السنوي الذي تعرض فيه أوضاع حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم ، والذي أصدرته في عام 2002 من أن الحملة المناهضة للإرهاب التي تتزعمها الولاياتالمتحدة كانت باعثاً على الاعتداءات الانتهازية التي تتعرض لها الحريات المدنية عبر أنحاء العالم، وفي الوقت نفسه فإن تلك الحملة تتيح فرصة لتركيز الانتباه على حرمان الشعوب من التمتع بحقوق الإنسان والديمقراطية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى ؛حيث وضعت الحكومات الاستبدادية ملايين الناس بين خيارين إما اللجوء إلى سياسات التطرف أو عدم ممارسة السياسة على الإطلاق ، وكثير من هذه الحكومات المتسلطة تتشبث بالسلطة بدون أن تلقي اعتراضاً من جانب الحكومات الغربية. وشدد كينث روث المدير التنفيذي لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان على أن الحرب ضد الإرهاب يجب أن تؤكد مجدداً مبدأ ضرورة عدم قتل أي مدني أو إيذائه عمداً بأي حال من الأحوال ، ولكن أكثر الدول التي أصبح فيها شعار مكافحة الإرهاب مبرراً جديداً لتجاهل حقوق الإنسان. وقد أكد التقرير العالمي لمنظمة هيومان رايت ووتس لعام 2004 في باب حقوق الإنسان والصراع المسلح أن هناك عدة بلدان حول العالم حاولت أن تستغل الحرب على الإرهاب تبريراً لانقضائها على المعارضين السياسيين أو الانفصاليين أو الجماعات الدينية أو للقول بضرورة حصانتها من النقد الموجه لممارستها في مجال حقوق الإنسان، وردت بلدان كثيرة على عنف الإرهاب الأعمى سن قوانين وتدابير جديدة لا تفرق هي نفسها بين المذنب والبريء ، وأصدرت بلدان عديدة قوانين رجعية لمكافحة الإرهاب ، حيث أنها توسع في السلطات المفتوحة للحكومة للاعتقال والرقابة بطرق تهدد الحقوق الأساسية فظهرت موجة متواصلة من عمليات الاعتقال والقبض التعسفي على المشتبه بهم دونما اعتبار للإجراءات القضائية المنصفة ، وفي بعض الأحيان تعرض الموصفون بالإرهاب للاغتيال والإعدام خارج نطاق القضاء.