مغرمون بالسياسة .. مفرطون في الخوض بكل شئون البلاد والعباد.. ومع أنهم يعانون ، ويتذمرون بإفراط أيضاً ، إلا أنهم ظلوا واثقين بأن الحياة تتغير نحو الأفضل ، وأن مايسمعونه من هذا المسئول أو ذاك ليس إلا عهد يقطعه على نفسه أمام الله.. هكذا هو حال شعبنا! بسيط بأحلام متواضعة ، وأمنيات لاتتعدى أفق الحياة الكريمة.. وحين يسمع البعض يتحدث عن حقوق المرأة يسخر في سريرة نفسه ، فهو منذ صغره يرى الأمهات والجدات يستحوذن على مفاتيح كل خزائن وغرف المنزل ويعلقنها في اعناقهن .. ويتحاشى الرجل اغضابهن ، فالزوجة إذا غضبت «حنقت» سيكلف إرضاؤها ثمناً باهظاً تفرضه الأعراف والتقاليد.. وعندما يسمع البعض يتحدث عن الديمقراطية والحقوق المكتسبة يتصور أنها موضوع مختلف عن مسألة الانتخابات ، وحرياته في التعبير عن الرأي ، والانتماء إلى الحزب الذي يعجبه.. فهو لايتوقع أن هؤلاء السياسيين يطالبون بنفس الحقوق التي يمارسها ، وانهم يدعون عدم وجودها ، لأن ذلك لايدخل المنطق ولايتوافق مع اخلاقياته التي تهذب عليها منذ صغره.. كما إنه لايتوقع أن المثقف والمتعلم يمكن أن يكذب ! الاعتقاد ذاته يجعله يصدق كل مايقوله المسئول حتى صار مدمناً على هذا الشعور.. فالكثير من اليمنيين يتذمر أمام الآخرين ليس لأجل التذمر ، والشكوى بل لأنه يعتقد أن صوته سيصل إلى المسئول بطريقة أو بأخرى ، وأن هذا المسئول سيعالج الأوضاع ، ويصحح الأخطاء .. وعندما لايتبدل شيء يعاود التذمر ثانية عسى أن المسئول لم يبلغه العلم في المرة الأولى.. وربما يعتبر نفسه محظوظاً إن عثر بالصدفة على صحافي ، وتعهد له بنشر شكواه.. وعندما يجد قضيته على واجهة صحيفة يطير فرحاً ، ويبدأ بترقب الحل ، وساعة الفرج.. المواطن لديه ثقة بالمسئول ، ويعلق عليه آمالاً كبيرة في تغيير الظروف .. لكن للأسف الشديد ظل الكثير من المسئولين يخيبون ظن المواطن ، ويقفون بعيداً جداً عنه ، ولايفكرون إطلاقاً بتلمس معاناته عن كثب كأن يترجل وزير أو مدير مكتب التجارة والصناعة عن سيارته ، ويلقي نظرة على الأسواق بغير مرافقين ! أو يترجل وزير أو مدير إدارة التربية والتعليم ساعة خروج الطلاب من مدارسهم فيسألهم عن احتياجاتهم بغير أن يرافقه مدير تلك المدرسة الذي لن يرحم طالباً ينتقد إدارته أمام وزير أو مدير عام ! أو أن يترجل وزير أو مدير الزراعة فيتفقد فلاحاً على الطريق فيعرف منه هموم الزراعة ، ومدى استفادته من الجمعيات والاتحادات التي ملأت الأرض ..! المواطنون لايعرفون لماذا لايفعل المسئولون ذلك !؟ ولماذا لايتصفحون الصحف المحلية فيطلعون على شكاويهم !؟ ولماذا عندما يلجأون إليهم بعد أن تتقطع بهم السبل يجعلون مصائرهم بأيدي مدراء المكاتب وموظفي السكرتارية الذين يتعاملون معهم كما لو أنهم هم الوزراء !؟ أو في أحسن الأحوال تعود الطلبات من مكاتب الوزراء وقد كتب عليها :«الأخ فلان : لاجراء اللازم بحسب النظام » وإذا بهم يعودون إلى نقطة البداية موضع الخلاف.. لقد أصبح معلوماً عند الجميع أن تلك العبارة اللعينة «لإجراء اللازم بحسب النظام» هي رديف عبارة «اقطع الرجاء» أو «يبقى الحال على ماهو عليه».. فهل يستخسر المسئول توجيهاً صريحاً بما يجب عمله للمواطن الذي قصده بدافع الثقة بأنه صاحب القول الفصل الذي يعجز غيره عن البت فيه !؟ وياترى هل يعلم الاخوة الوزراء والمدراء العامون أن معظم المراجعين يضطرون للتردد على مكاتبهم لعدة أيام حتى يتمكنوا من ايصال أوراقهم إلى أيديهم .. وأن البعض من هؤلاء قادمون من محافظات نائية توجب عليهم تكاليف كبيرة في الانتظار..!؟ ياسادة ياكرام ليس هناك أطيب من شعبنا وأكثر تواضعاً منه ، وأكبر ثقة بمسئوليه فالتفتوا إلى همومه اليومية ، واستمعوا إلى شكواه ، واحترموه ولو لأجل شيء واحد فقط هو صبره عليكم وأنتم تستقبلون أصحاب الجاه والنفوذ وتتركوه منتظراً على الأبواب أياماً دون أن ينبس بكلمة اساءة واحدة يحتج بها على هذه المعاملة التي لاترضي الله ولا رسوله !.