يتحمل رئيس تحرير الصحيفة مسؤولية ما ينشر في صحيفته، فهو لا يستقر قلقاً حين يقرأ مقالة تُعدّ للنشر، وحين يأمره ضميره أن ينشر مقالة تعبّر عن وجدان الشعب ومراده، وهو يجد قلقاً حين تقضي مصلحة عامة ألا ينشر هذه المقالة أو تلك. ولقد رفض الأستاذ/حمدي الجمال، رئيس "الأهرام" أن ينشر مقالة أرسلها محرر "الأهرام" من «بون» الألمانية تكشف أسرار عقد صفقة دبابات ألمانية مع الكيان الاسرائيلي؛ لأن المصلحة العليا لمصر كانت تقضي معالجة السلام بين مصر واسرائيل؛ ونشر هذه المقالة قد يثير الرأي العام. ورئيس التحرير لا ينام بشكل هادئ، فقد يُستدعى لتوضيح أمر من الأمور - مهما يكن سخيفاً - لأن أهل المصلحة الخاصة يتحسسون من النقد مهما يكن موضوعياً. ويتحول رئيس التحرير إلى محامٍ ومدّعٍ ومتهم وقاضٍ ورجل أمن وعالم دين ومحلل سياسي، وأستاذ كلمات متقاطعة، وعدوٍ من حيث لا يدري، وصديق من حيث لا يدري، ووطني وعميل!!. باختصار رئيس التحرير تتجاذبه مواقع كثيرة، وهو في كل الأحوال لا يستطيع أن يرضي أحداً.. أجد هذه الأمور في وجه الصديق الصحفي رئيس التحرير الذي لن أذكر اسمه، خيفة اتهامي من قبل الأصدقاء جداً، والمساكين جداً، والذين يرحمون جداً بأني أجامل. وحسب هذا الصديق أنه حساس جداً، وابن مهنة جداً، وناجح جداً، وشريف جداً، يُضرب المثل في صبره، وغيرته على العمل والمؤسسة التي يقودها بكفاءة، ورغم ذلك فأنا أطلب إليه ألا يتخلى عن طبعه الصحفي ليرضي الحكومة، فلقد قلت له ذات مرة إني خسرته حين أصبح رئيساً للتحرير، مع أنه رئيس فنان. وهو لئن كان - وهذا جانب من التقليد الصحفي المؤسسي - يجامل الحكومة، فبالرغم من ذلك يقوم بنفس الوقت بنقد مهذب هدفه تصحيح المواقف.. فالمسألة مسألة «اتيكيت» مسألة لغة، مسألة تعامل. إن من الواجب الإشارة إلى أن قانون الصحافة في العالم يكفل حق الرد، وكفله قانون الصحافة في بلادنا، فبدلاً من التحسس والعتاب، وربما الابتزاز، فاللجوء إلى الرد شيء طبيعي، وإذا لم يسعف القلم الذي يذهب إلى أن فلاناً أو علاناً قد كتب ضده؛ فعليه أن يلجأ إما إلى قادر على الكتابة أو إلى القضاء، والمحامون كثيرون، والمحاكم مفتوحة للجميع. وقلت لرئيس التحرير: "إن لنفسك عليك حقا".