ولعل أعذب زمن رمضان في اليمن الحبيب يكون من بعد العصر؛ إذ تشرق روحانية غامرة، تفيض أنساً وحبوراًَ، أكان ذلك في المدينة أو الريف، ويبدو أنه لم يعد هناك ريف، فمع انتشار المواصلات قرب الريف من المدينة، بل أصبح الريف حضراً وضاحية من ضواحي المدينة. وكثير من الناس يفضل أن يكون الريف وطناً لرمضان، فالناس ينطلقون على سجاياهم في هذا الشهر الكريم، وتخفت حدة الشهوات والأطماع والجري السريع وراء الدنيا، خاصة إذا صادف أن يكون الصيف في رمضان كأيامنا هذه، حيث تظلل الصائمين أجواء الأمطار فتزيد الروح عذوبة وجمالاً وابتهاجاً بالحياة. ويشكو بعض أهل الريف من بعض الشباب الذين يحاولون جهدهم إطفاء مصابيح التراويح في هذا الشهر الكريم؛ لأن هذه الصلاة في رأيهم بدعة، ولعمري من أين جاء هؤلاء بهذه الفتوى المنكرة، وهل يفرّقون بين بدعة وأخرى؟!. ثم إذا كان الشهر الكريم شهر صلاة وعبادة، فلِمَ لا يدعون الناس يقبلون على ربهم.. ثم ما هو البديل إن نحن أطفأنا مصابيح التراويح، هل هناك أجمل وأروع من صلاة التراويح في رمضان؟!. ثم لقد ثبت في المسانيد الصحيحة أن الرسول الكريم صلّى التراويح مع اختلاف في عدد الركعات في هذا الشهر.. قال هذا الذي يشكو من مناع الخير.. قلنا لهم: إذا أردتم أن تصلّوا ثماني ركعات فصلّوا ودعونا نكمل العشرين.. ولعمر الله إن بعض الشباب يعاني من عقد نقص شتى ومن فراغ بليد. في رمضان إذن يعذب الزمن ويحلو من العصر حتى مطلع الفجر؛ ويكون المساء فرصة للقاء الأصدقاء الذين يروحون عن أنفسهم ساعة بعد ساعة، ويخلطون عملاً صالحاً بشيء من الترفيه البريء وشجون الأحاديث. ولعل هذه الأسمار تفتح آفاقاًَ في العودة إلى تأصيل ثقافة دينية صرفتنا عنها مشاغل الحياة وما أكثرها، ولربما كان مناسباً أن يقف أحدنا على هذا الكتاب الجميل «رياض الصالحين» الذي جمع بين الفقه والعبادة والآداب النبوية التي نحن في أمسّ الحاجة أن نتحلى بأخلاقها الرائعة. فالإمام النووي من عباد الله العلماء المخلصين جمع جزاه الله خير الجزاء في هذا الكتاب زاداً ثقافياً، وجعلنا نعيش كما لو كنا في روضة من رياض الجنة ونحن نقرأ هذا الكتاب الذي يعمق فينا حب الله ورسوله ويثري ثقافتنا.