بعد أيام الحزن العميق الذي عاشه أبناء اليمن بوفاة الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر الذي برحيله نفتقد مناضلاً وطنياً جسوراً ورمزاً من رموز الوحدة الوطنية والمواقف المبدئية الثابتة، والرجل العقلاني الرزين الذي عمل دائماً على تحقيق الوفاق ورأب الصدع والسمو فوق المفاهيم الصغيرة، والولاءات الضيقة وما تلك المشاعر الصادقة التي عبر عنها كل أبناء اليمن ومن مختلف مناطقه إلا تأكيد على وحدة الشعب اليمني في مواجهة اللحظات الصعبة وبأن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -رحمه الله- بنظرته الثاقبة والبعيدة المدى استطاع أن يتجاوز الحدود المناطقية والقبلية والانتماء الحزبي ليكون مرجعية للجميع حاضراً في أوقات الشدائد والأزمات. وكم كان رائعاً أن نقرأ ونسمع عن فيض المشاعر النبيلة التي عبرت عنها القيادة السياسية والاحزاب بمختلف توجهاتها وكافة فئات الشعب اليمني والتي لا أشك أنها كلها مشاعر صادقة نابعة من القلب امتزجت بمرارة الفقدان للشيخ عبدالله -رحمة الله عليه-. لكن بعد أيام العزاء واستعراض مناقب الفقيد الراحل يبقى السؤال الهام كيف يكون الوفاء الحقيقي لهذا الرجل؟ من معرفتي الشخصية به لا أعتقد أنه من أولئك المفتونين بأنفسهم وبالحديث عن إنجازاتهم ومواقفهم ولكن بما يعنيه كل ذلك إلى المتحدثين والكتاب في الاقتداء به وبكل ما كان عزيزاً عليه وضحى من أجله ولا أتصور أن هناك شيئاً كان أقرب إلى وجدانه وضميره من حب اليمن والحرص على وحدته والعمل من أجل أمنه واستقراره وتحقيق مصالحه العليا، إن الوفاء الحقيقي للشيخ عبدالله ليس فقط في الاشادة به أو ذرف الدموع ألماً على فقدانه ولكن في التمسك بالمواقف والمبادئ التي نذر حياته من أجلها والمتمثلة في الحفاظ على الثورة اليمنية ومبادئها والوحدة اليمنية والديمقراطية والتنمية. لقد عاش الفقيد الراحل -رحمه الله- أيامه الأخيرة وسمعت ذلك منه شخصياً عندما زرته أثناء رحلة العلاج في المملكة العربية السعودية يحمل هم وطنه وما يجري من احداث مفتعلة لخلق الاحتقانات في الساحة الوطنية ويشعر بالمعاناة نتيجة لذلك ربما اكثر من معاناته من مرضه القاتل، كان يتألم وهو يسمع عما يقوم به البعض من تصرفات غير مسؤولة وتأجيج للمشاعر وإثارة للخلافات بدلاً عن حلها وكيف يسعى هذا البعض إلى تشويه صورة الوحدة اليمنية وهي أعظم منجز وطني وقومي بريء من أخطاء أولئك الذين يذرفون دموع التماسيح على عهود التمزق والتشطير وممارساته وكيف يتداعى البعض أيضاً لإثارة الكراهية والبغضاء في المجتمع بدلاً عن نشر المحبة والعمل على تصحيح الأخطاء والحفاظ على مستقبل واستقرار اليمن والتمسك بوحدته. لست بصدد تدبيج بيان تأبيني للشيخ عبدالله بن حسين الأحمر أسكنه الله فسيح جناته فهناك من هو أقدر على التعبير عن الحزن والأسى لفقدانه والفراغ الكبير الذي سيتركه لدى من يعرفون قيمة هذا الرجل الوطني صاحب العقل الراجح ولكني رأيت أن أنبه بعد تجاوزنا فترة الحزن على رحيله إلى ضرورة إدراك أهمية الوفاء لما أحببناه في الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر -رحمه الله- من صفات وقيم طيبة والاقتداء بمواقفه الوطنية والانسانية إذا كان حرصنا على اليمن يقترب من مستوى حرصه عليها، وهذه مسؤولية تقع بالدرجة الأولى على عاتق أبنائه وأفراد أسرته الذين عليهم أن يتاسوا بسيرة والدهم وأن يواصلوا السير على دربه بحيث يجعلون من سيرته الطيبة نبراساً لهم في حياتهم وفي رؤيتهم للأمور وادراكهم لحقائق الواقع وما يلزمه من واجبات ومسؤوليات وطنية على الجميع، وتقع أيضاً على كل من أحب شخص الشيخ عبدالله الذي يفتقد اليمن واحداً من حكمائه ورجاله العقلاء المخلصين. واذا كان تعاملنا مع أزماتنا وخلافاتنا بالحكمة والحصافة التي تعامل الفقيد الراحل بها فإننا لا شك قادرون على إشاعة روح الوئام والاستقرار وتعزيز الوحدة الوطنية والمضي بوطننا اليمني إلى بر الأمان وشواطئ السلامة.