حين يتحول القانون إلى مجرد كلمات مهترئة ونصوص جامدة لا تسمن ولا تغني من جوع نسمع عن وجوده ولا نراه أو نلمسه على أرض الواقع ليحمي البسطاء من عبث الأقوياء القافزين فوقه!!. وحين يصبح القانون عرضة لانتهاك سيادته والتحايل عليه لكل من أراد مستغلاً نفوذه أو علاقته أو ماله دون تردد أو خوف، يعينه في ذلك بعض القائمين على القانون والعاملين على حمايته والمسئولين عن تطبيقه وربما هو أيضاً واحد منهم. وحين يكون القانون عاجزاً عن إنصاف مظلوم ثبت وقوع الظلم عليه وبأحكام شرعية وغير قادر أيضاً على ردع ظالم ثبت ظلمه وانتهاكه المتعمد لسيادة القانون معتدياً على حقوق الآخرين دون وجود حق وعلى مرأى ومسمع أهل القانون وحماته، معتمداً على مقدرته الفائقة في القفز فوق القانون، حين يحدث كل ذلك يصبح وجود القانون وعدمه سواء، ويصبح البقاء للأقوى هو القانون السائد والمعمول به والمتعارف عليه، فيستأسد الباطل ودعاته، ويضيع العدل ويعم الفساد، ويكون العدل معزولاً وبعيد المنال، ويكون الباحث عن الحق والإنصاف كمن يبحث عن إبرة في كومة قش وهو معصوب العينين. وفي هذه الحالة يصبح القفز فوق القانون وسيلة متاحة وسهلة ومباحة أيضاً لكل من أراد تحقيق مصلحة شخصية أو حزبية أو قبلية على حساب المصلحة العامة للشعب والوطن ما دام تمتلك الأدوات اللازمة لذبح القانون تحت مقصلة الفساد، ولا عزاء للضعفاء اللاهثين خلف سراب القانون، حين يحدث كل هذا فلا داعي أبداً للبحث عن القانون والنظام؛ لأن هذا البحث سيوصلك إلى حقيقة واحدة هي أن من يملك القانون يملك «حق عزفه» وسوف يخبرك بهذه الحقيقة الكثير من العارفين والعالمين بخفايا الأمور وأسرارها من أصحاب الشأن من قضاة وموظفين ومسئولين ورجال أمن ومديري عموم ومحامين، ومشائخ وتجار وحتى عقال حارات؛ لأنهم جزء من هذه الحقيقة و«أهل مكة أدرى بشعابها» كما يقال، وأهل القانون والنظام أدرى وأعرف، وهم أكثر القافزين فوقه والمعتدين عليه والمنتهكين لسادته. فإذا كانت لديك قضية فلا تبحث عن القانون والنظام وابحث عن القافزين فوقهما واستمع جيداً لمن يقول لك: «مالك ومال القانون، خلّي القانون على جنب، أنت تشتي تتخارج والا تشتي تشارع، أنا باقول لك كيف تسوّي وخلّي الباقي علينا، قلّي قضيتك وأنا باروح أخزن عند القاضي صاحبي ولك خبر، تعرف الشيخ فلان تلفون منه للقاضي أو المدير أو الموظف وأمورك سابرة» الخ من الوصايا ولا تتردد أبداً باتباع تلك الوصايا واعمل بها لتفوز وتحصل على ما تريد حتى ولو كنت على باطل، فلا تضيع الوقت أبداً، واعلن انضمامك إلى النادي المخصص للقفز فوق القانون، هذا النادي الذي تأسس على يد نخبة من عتاولة الفساد، وأعضائه لهم ثقلهم ومكانتهم وكلمتهم داخل المرافق العامة، وأي شخص يحاول تهديد مصالحهم فلا يلومنّ إلا نفسه، وهم لا يعملون بالخفاء أو بعيداً عن الأعين كما قد يعتقد البعض؛ ولكنهم يعملون بكل وضوح وأمام أعين الجميع، ولماذا يخافون ومما يخافون؟!. وتلك هي الحقيقة المؤلمة مهما حاولنا إنكارها أو التقليل منها، حقيقة هذا الفساد الذي ينخر جسد الوطن وينسج حباله في كل مؤسساته وأجهزته حتى في الجهاز القضائي المعول عليه اجتثاث الفساد وتجفيف منابعه وقع تحت سيطرة الفساد وأصبح جزءاً منه وتحول من سيف لاستئصال الفساد والمفسدين وفرض سيادة القانون إلى ملعب للفساد والمفسدين وتربة خصبة لتربية القافزين فوق القانون. فمتى يعي القاضي والمسئول والموظف ورجل الأمن والتاجر والمواطن وكل صاحب مسئولية أن الوطن أمانة في أعناقنا جميعاً؛ فلا يفرطوا فيها أو يخونونها؛ لأن خيانتها هي خيانة للوطن، والتفريط فيها يعني التفريط بمستقبل أبنائهم ووطنهم، وعليهم أن يدركوا أن القفز فوق القانون ومخالفة النظام جريمة وخطيئة كبرى هم عنها مسئولون