في الندوة التي أقامها موقع نبأ نيوز في مدينة دمت بالضالع عن الوحدة اليمنية تحدثت عن الدور السلبي الذي لعبته الصحافة في إثارة المناطقية والجهوية حيث وجهت كلامي للصحافيين الحاضرين قائلاً انكم تتحملون جزءاً كبيراً من المسئولية تجاه ما يحصل في المحافظات الجنوبية فأنتم من تفنن في صياغة التقارير والأخبار بمبالغة وتضخيم غير مبرر وهو ما شجع كل صاحب هوى في التفاعل معه، وأنتم من ساعد على نشر ثقافة الكراهية والحقد باستخدام مصطلحات مناطقية وتكريسها في الأخبار والتحاليل. وتناولت بعض الأمثلة كأن تكيف بعضها أي خلاف بين شخصين من تعز أو إب ومن الضالع أنه استهداف مناطقي، وأخرى تجاوزت كل الخطوط وخرجت بتشكيل لحكومة ودولة الانفصال قبل حادث المنصة في ردفان، وكلها من مخيلة العبقرية الصحافية وبعد الندوة لامني الاخوة الصحافيون لأنني كنت قاسياً عليهم حسب تعبيرهم. والآن وقد أثمرت تلك السياسة الإعلامية وأفرزت عناصر تخريبية تهاجم الجميع بلا استثناء حتى أن أحد الصحافيين ذكر أنه فوجئ بمجموعة من تلك العناصر تحاصره وبيدها الهراوات وتسأله ماهي القضية فرد عليهم برعب القضية «قضية الجنوب» ونفذ بجلده من هراوات تلك المجموعة «حسب تعبيره في واحد من التقارير الخاصة به» أضع نفس القضية أمام الاخوة الصحافيين وأمام قيادة نقابة الصحافيين وهي تتهيأ لعقد مؤتمرها ونؤكد أهمية وضع ميثاق شرف لمهنة الصحافة يتضمن خطوطاً حمراء أخلاقية ومهنية ودينية ووطنية كل من يتجاوزوها يتم إسقاط عضويته من النقابة فإذا كان من مهام النقابة وواجباتها الدفاع عن منتسبيها وعن حرية التعبير والصحافة فإن محاسبة منتسبيها أيضاً حق من حقوق المتضررين منهم، فلماذا لايحاسب الصحافي في إطار النقابة قبل أن يحاسب أمام القضاء؟! الصحافة ليست مهنة ارتزاق إنها رسالة سامية لاتقل أهميتها وسموها عن رسالة المسجد والمدرسة لأنها جزء أساسي من منظومة الوسائل التي تشكل الوعي والثقافة الإنسانية وأي انحراف في هذه الرسالة تكون نتائجها سلبية على مستوى الفرد والمجتمع، فالصحيفة التي سمحت لكاتب بنشر ثقافة الكراهية والحقد بين أبناء الوطن هي أخطر على المجتمع من شخص قاده انفعاله الناتج عن هذه الثقافة إلى التخريب والاعتداء على الآخرين. فعلى الرغم من حالة التوتر التي تشهدها الحياة السياسية في مصر إلا أن أياً من صحف المعارضة أو الصحف المستقلة لم تقف مع أعمال التخريب التي طالت الممتلكات العامة والخاصة في مدينة المحلة بل إن جميع الصحف أدانت تلك الأعمال وطالبت كافة الأحزاب السياسية بمحاسبة تلك العناصر الإجرامية وإعمال القانون في تصرفاتها، بينما في اليمن فإن الصحف الصفراء تناولت أحداث الشغب والتخريب من زاوية زيادة حالة الغليان وتأجيج الشارع ولم تكتف بنقل مايحدث بأمانة ومهنية فلم تتطرق لحالة الخراب الذي لحق بالممتلكات العامة ولا مافعله المخربون من اعتداء ونهب لأموال وممتلكات البسطاء من الناس ، مع أن هذه الصحف نشرت خبر الحيوان الغريب الذي ظهر في الضالع الذي اتضح أنه كلب فيما بعد، هذه الصحف تقوم بنقل ما يحدث بل إنها أضافت أكاذيب ملفقة وتصوير الوضع كأنه حالة حرب تستخدم فيها الدولة كافة أنواع الأسلحة، فمن هي الجهة المسئولة عن لجم هذا العداء الذي أضر بالوطن والمواطن؟! في الدول الموغلة في الديمقراطية هناك سقف لحرية النشر وتحديد ماهي المعلومات المتاحة للعامة وماهي المعلومات المحمية من النشر استناداً إلى تصنيف المعلومات «حساسة سرية للغاية وسرية أو المحمية من النشر» بسبب تأثيرها على الأمن القومي، لذلك تكشف أجهزة المخابرات أو وزارات الخارجية عن وثائق بعد فترات زمنية تصل بعضها إلى 50 عاماً. المسئولية الوطنية هي الأساس في العمل الإعلامي والوعي الكامل بقضايا الأمن القومي هي المرجعية للصحافيين في الدول المتقدمة والديمقراطية لذلك نجد أن السياسة الإعلامية بتنوعها وتباينها تتجه في الأخير إلى خدمة قضاياهم الوطنية. أما نحن فيشكل غياب الوعي الوطني ونزوات الذات وتداخل الشخصي بالعام والذاتي بالوطني لدى بعض رؤساء تحرير الصحف وبالذات المستقلة منها عبئاً على الوطن والمواطن فاتجهت هذه الصحف إلى تغذية نزاعات مناطقية من أجل الإثارة الصحفية حيناً أو من أجل تحقيق مكاسب ذاتية وشخصية حيناً آخر وهو مايزيد من الاحتقان السياسي وتوتير الأوضاع ، مع أن ارتفاع الأسعار وتدني الأجور والمرتبات لم تسلم منه أي دولة لكن تظل الرسالة الإعلامية التي تحمل توازناً بين معاناة الناس وامكانية الدول والحكومات على مواجهتها هي القادرة على خلق توافق لتحقيق النجاحات الممكنة في أغلب القضايا الخلافية بين السلطة والمعارضة يتم التوافق على العموميات وعندما تنتقل الأطراف إلى مناقشة التفاصيل تظهر الشياطين ؛ شياطين الإعلام والصحافة غير المسئولة التي لاتهتم إلا بجوانب الاختلاف لتبرزها وتؤججها. عندما توترت الأوضاع في ضواحي باريس «مشكلة المهاجرين» انهمك الجميع دولة ومجتمعاً وأحزاباً وصحفاً ومراكز دراسات وأبحاث ومنظمات مجتمع مدني في دراسة الظاهرة من جميع جوانبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ووضع المعالجات والحلول لهذه المشكلة.. وهنا تكمن روح المسئولية. إننا لاندعو إلى تكميم الأفواه أو إغلاق الصحف لأن أخطاء الديمقراطية لاتعالج إلا بمزيد من الديمقراطية; لكننا ندعو إلى ايجاد ميثاق الشرف الصحفي وتفعيله وتغليب روح المسئولية الوطنية في كل القضايا والمشكلات التي يمر بها الوطن, وأن يتم تفعيل قانون الصحافة والمطبوعات في محاسبة من يتجاوز القانون عن طريق القضاء.