أحب أن أشرك القراء الأعزاء في تجربة شخصية خضتها أيام الامتحانات ، فقد تعمدت أن أقوم ببعض الزيارات لبعض أبواب اللجان الامتحانية في العاصمة صنعاء بالزي اليمني التقليدي، وصار وقوفي مع الطلبة بعد الامتحانات نوعاً من الواجبات اليومية ، لم يكن الهدف من الزيارات دخول اللجان الامتحانية أو الاطمئنان على طالب محدد أو طالبة معينة وإنما الحديث مع الأبناء والبنات بعد الخروج من الامتحانات عن حكايات ساعات الامتحان . وقد عانيت كثيراً من امتناعهم عن الحديث وقرفهم وتبرمهم من الكبار بالذات بعد الاختبار، لكني بأسلوب الأم الحنونة البسيطة استطعت أن أشاركهم بعض الحديث وبخاصة حينما أظهر دهشتي من رجولة الطلاب الذكور منهم ونضجهم وقدرتهم على تحمل المسئولية، وإعجابي بذكاء الطالبات الإناث وتبرمي من المتاعب التي أتحملها من أجل أولادي في سبيل أن يصلوا إلى ما وصل إليه هؤلاء الطلاب والطالبات من الذكاء والفطنة.. وأبادرهم بأن دعواتنا معهم وأن يقيض لهم الله من يساعدهم في الامتحان ...وهنا تبدأ الاعترافات للأبناء والبنات بعد الاطمئنان إلى أني أم مسكينة مثقلة بالصرفيات على دراسة الأولاد ولا أعرف الفرق بين الامتحان والغش .. ربما يكون من المضحك المبكي ما رواه لي الطلاب والطالبات من حكايات لجان الامتحانات: تسميات مثيرة لأنواع الغش، وأساليب مختلفة لممارسته ، إلا أن المثير في الأمر أن بعض مديري المراكز الامتحانية يرون أن الغش الذي لا يأخذ عليه الغشاش مقابلاً مادياً هو غش في سبيل الله، لأن هدفه مساعدة الطلبة المساكين الذين ليس لهم ظهور، ولا معهم قيمة قسط الغش. حينما سألت بعض الطلبة عن نوع المراقبين الذين يأخذون منهم مقابل الغش (القسط اليومي) وهل هم متخصصون في المواد التي يغش فيها الطلبة ؟ قالوا: المراقب لا يعرف شيئا فقط يذهب إلى أذكى طالب وينقل منه الإجابة ويوزعها على باقي الطلاب في اللجنة ،أحدهم أدلى بمداخلة وهو منفعل: أنا دفعت القسط اليوم من أجل الرياضيات ولم أستفد.. وأردف قائلا: «كل الطلاب في اللجنة أغبياء حتى مدير المركز مسكين طيب وغبي غششنا سؤال في الرياضيات خطأ ...أنا راجعت بعد الاختبار فعرفت أن الإجابة التي قال لنا نكتبها كانت خطأ . مسكين كان هدفه فعل الخير لكنه غبي في الرياضيات» أحدهم رد : لا يا أصدقائي المدير لئيم لو كان يقصد الخير كان استشار أي متخصص في اللجان الأخرى ثم يخبرنا بالإجابة الصحيحة ...ثالث يتدخل بقوله: أنا خائف جدا لأنهم طلبوا مني القسط اليوم ورفضت أن أدفع لأني ذاكرت المادة ولست محتاجا للغش ..لكني أخاف أن يبدلوا دفتري قبل تسليمه للجنة التصحيح... الله يستر ...صاحبه يرد: لماذا هل شعرت أنهم متضايقون من امتناعك عن دفع القسط اليوم؟ يجيب: لا ...لكن ربما يقرأ المراقب كشف أسماء الذين دفعوا القسط وطبعا لن يجد اسمي . تدخلت بسؤال للمجموعة : ألم يشعر أحدكم بإحراج أو خوف من الغش طوال أيام الاختبارات ؟ أحدهم قال : فقط يوم الإسلامية كان الغش (حنبة) .. قلت كيف؟ قال : ما عرفت أين أضع برشام القرآن الكريم ؟ خايف لو وضعته في مكان يكون حراماً وضعه فيه، قال له صاحبه : أنا لبست قبعة ووضعت الورقة فيها ..قال الآخر أنا وضعت ورقة الغش في بطانة كتف الجاكت.. قال الآخر؛ هي (حنبة) ستأخذ وقتا كبيرا في (الحكوك )حتى تستطيع إخراج الورقة ... قال الأخير: يا إخواني في لجنة ابن عمي دفعوا لأستاذ يغششهم سورة النور كلها بالميكرفون من خارج المدرسة .. قال أحدهم: لكن الشرطة يمكن أن تمسك صاحب الميكرفون.. قال آخر: بالعكس هو يأتي يبيع أي شيء ويشغّل القرآن مثله مثل أي إنسان عادي يبيع ... ثم من الذي سيخبر العسكر أن سورة النور مقررة علينا ؟ !!قال : أحدهم : حدث العام الماضي في إحدى اللجان أنهم استخدموا الميكرفون من خارج المدرسة في الغش .. ومسكوا صاحب الميكرفون، لكن في اليوم الثاني جاء رجل آخر بميكرفون آخر ولهذا السبب نقلوا اللجنة إلى مدرسة أخرى بعيدة عن المدرسة الأولى، تصوروا أننا رأينا صاحب الميكرفون قد استأجر سيارة نقل وواقف جنب المدرسة الجديدة يستعد لقراءة الإجابات؟ أكتفي بهذه المقتطفات من اعترافات الطلاب، وكنت أظن أن ثرثرات الطلاب السابقة من نسج خيالهم، وتمنيت أن تظهر نتائج الثانوية صدق ظني أنها ثرثرات مراهقين، لكني تأكدت بمزيد من الألم أنها الحقيقة، وذلك بعد أن ظهرت نتائج الثانوية العامة التي صدمت المتفوقين والجادين في الصميم وجعلتهم مذهولين يكلمون أنفسهم في الشوارع والحارات، ورفعت الأغبياء والمهملين مكانا عليا إما بالدفع المسبق أو بإضافة درجات مجاملة لبعض أولياء الأمور على سبيل الغش في سبيل الله.... حسبنا الله ونعم الوكيل .. يا ترى إلى أية هاوية ندفع بهذا الجيل المحبط..؟!!