لم تعد الأسرة اليمنية كما كانت عليه سابقاً عند استقبال الامتحانات الوزارية؛ فقد أصبحت معظم الأسر اليمنية هذه الأيام تعيش حالة من الاستنفار والقلق بسبب الامتحانات، وبدأ الخوف في عيون الآباء والأمهات قبل الأبناء ،وانتقلت العدوى إلى الأبناء والبنات،وبدأ القلق يفوق الحد الطبيعي عند الآباء والأمهات والطلبة والطالبات، وبخاصة الجادون منهم؛ كنا في السابق نقلق إن لم يستعد الأبناء قبل الامتحان كما ينبغي، أما اليوم فقد صار القلق فوق طاقة الأسرة اليمنية.. قلق على التحصيل وقلق على مصير الأبناء في ظل عصابات الغش و بيع الإجابات، وقلق من عصابات بيع الدرجات بعد الامتحان من خلال التآمر في كنترولات التصحيح . من سيوقف خطر التآمر على مستقبل التعليم في بلادنا ؟...لن تستطيع وزارة التربية بمفردها فعل ذلك ... فقد صارت ظاهرة الغش وبخاصة في امتحانات الثانوية العامة لعبة الكبار ، لم تعد كما كانت في السابق من اختراعات الصغار وبراشيمهم بل صارت اليوم في كثير من المراكز الامتحانية حتى في المدن من اختصاص لجان الاختبار ومديري المراكز الامتحانية ...وما نقرؤه من أخبار عن استبعاد لجان وتقديم أشخاص للمحاكمة يعد دليلاً رسمياً على أن ظاهرة الغش لم تعد سرية، لكن المؤكد أنه لا ينكشف ويضبط إلا القليل من الغشاشين، وربما فقط الذين تهاونوا في استخدام أساليبهم الشيطانية في ترتيب أمور الغش.. حقيقة الغش يمكن أن يجدها المسئولون إذا أرادوا على ألسنة الطلاب والطالبات أنفسهم ، إن ما يرويه الأبناء والبنات من حكايات لما يحدث في كثير من اللجان الامتحانية لا يجب السكوت عليه.. مزاد علني لأسعار الغش في كل مادة حسب وزنها، وحسب حالة الطالب الدراسية ، أسعار متفاوتة لمن يقوم بالغش حسب قربه من المسئولين وحسب التخصص .. أصبح الطلاب والطالبات يبكرون كل يوم بطلب « قسط » الغش من أسرهم قبل مصروف الإفطار وتختلف المدارس واللجان في الأسعار يبدأ «القسط» من 200 ريال إلى 500 إلى 1000 في القرى والحارات الشعبية ، ويعلو السعر في الأحياء الراقية ... الطلبة الجادون لا يتكلمون خوفاً من استبدال دفاترهم بأخرى ضعيفة أو تلفيق تهم لهم إذا اعترضوا على ما يحدث ...والغريب في الأمر أن المراقبين الذين يخافون الله ولا يسمحون بالغش أو يمارسونه في اللجان الامتحانية يتعرضون للسخرية والتهديد، ويمكن تلفيق التهم لهم واستبعادهم من قبل المسئولين عليهم إذا كانوا ممن رسموا خططهم لاستثمار فترة الامتحانات .. كيف سيواجه الله من يتآمرون على مستقبل أبنائنا ؟ قبل أيام شاهدت أحد طلبة الثانوية يضرب زميله ويشتمه بأقذع الألفاظ ويتهمه بخيانة الصداقة بعد خروجه من الامتحان لأنه لم يسمح له بالغش منه، وحينما سألته: وهل من حقك أن تغش؟ قال بالحرف الواحد: وضعوا على لجنتنا مراقباً معقداً ولم يوافق على تغشيشنا ، بينما كانت اللجان الأخرى تمارس الغش، كان المراقبون فيها طيبين وكنت فقط أريد أن أنقل من صاحبي إجابة سؤال وغطى ورقته مني... قلت له ولماذا لم تذاكر ؟ أجاب بسخرية ..أذاكر وأتعب نفسي لماذا ؟ وبالأخير يمكن أن أدفع ثمن الدرجات التي أريدها في كل مادة ... أصبح الطلبة الجادون محبطين يجهلون مصيرهم في ظل فوضى الغش وجريمة التآمر على مستقبلهم ..لم يعد الأمل بالتفوق من نصيب المجتهدين، ولم يعد الوضع التعليمي مشجعاً للمبدعين، صار الطلبة الجادون يكلمون أنفسهم بعد كل امتحان ويدعون الله أن تقع ورقتهم الامتحانية في يد مصححين عندهم ضمير ودين ليعطوهم حقهم .. صارت الأسر تحاول علاج إحباط الأبناء بتذكيرهم بأن الله يمهل ولا يهمل، «ومن يطلع بالغش لابد أن يفشل » لكنها حكمة لم يعد يصدقها الأبناء لأن ما يحدث من غش قد مكن من لا يستحقون ، وهمش من يستحقون ... أحد الطلبة علق بمرارة على الحكمة بقوله: إن الغشاشين يحصلون بحكم درجاتهم على منح إلى دول متقدمة تعيد تعليمهم من جديد ... والمهم أنهم يتقدمون علينا و مهما عملنا لن نصل.. فالمال وضعف الضمير وعدم الاهتمام بما يحدث ، قد جعل الأغبياء والمهملين والغشاشين في المقدمة ... مستقبل البلد في خطر .. من سيقود الأمة مستقبلاً في ظل وضع تربوي مليء بالغش والتزوير؟ لابد من وقفة جادة أمام ما يحدث لأنه عبث بمستقبل الأمة. * كلية التربية- جامعة صنعاء