مختار الفقيه حارس مدني شاب لم يكن يملك أي خيار أو اعتراض عندما كلفته إدارته بالانضمام إلى زملائه من حرس السفارة الأمريكية في صنعاء، وبالطبع لم يكن له الخيار أيضاً عندما فقد حياته يوم الأربعاء الماضي خلال الهجوم على مبنى السفارة مع ستة من زملائه الجنود وثلاثة مدنيين آخرين، ومعها فقدت أسرة مختار عائلها الوحيد. ولا شك أن المخططين لهذه العملية كانوا يدركون مسبقاً هذه النتيجة وحجم الفشل في اختراق الترتيبات الأمنية شديدة التحصين للسفارة الأمريكية، ومع ذلك مضوا في تنفيذ عزمهم معتمدين على سيناريو وصف تنفيذه الناطق باسم الخارجية الأمريكية “بالمحنك والدقيق” لكنه كان محنكاً فقط في قتل الأبرياء ودقيقاً في نثر أشلائهم في أرجاء المكان. إننا مطمئنون إلى أن هذه العملية لم تحقق حسب اعتقادنا أي هدف من أهدافها التي أوردها بعض المحللين لها، وأهمها كسب مزيد من التعاطف الشعبي والشبابي مع أعضاء القاعدة ضد الأمريكان، بل نرى أنها هزت بعمق هذا التعاطف إن كان موجوداً بالفعل لدى البعض، فلم يُرَق في هذه العملية سوى الدم اليمني البريء وحتى الأمريكية الوحيدة التي سقطت في هذا الحادث لم تكن سوى أمريكية من أصل يمني مسلم. ورغم هذه الخسائر الفادحة سمعنا من البعض أن نتيجة عملية القاعدة هذه هي نتيجة “بيضاء” في إشارة إلى عدم سقوط أي خسائر من جانب السفارة الأمريكية وموظفيها، ونحن نقول بل هي “حمراء” قانية وإلا فأين ذهبت دماء الجنود والمدنيين التي أهرقت والتي تهرق في كل عملية يقوم بها الإرهاب أم أن هؤلاء لا بواكي لهم؟. لقد تناسى منفذو عملية الأربعاء ومن يقف وراءهم أننا نستند إلى منظومة إسلامية عقائدية غاية في المثالية في كل شيء خاصة فيما يمس إزهاق النفس البشرية فلا هي أباحت إراقة الدماء إلا بحقها كما لم يخبرنا أحد من علمائنا ولا علم عامتنا أن الإسلام قد أباح هدر دم المعاهدين وأهل الذمة في البلاد المسلمة ولا أباح نكث العقود والعهود المبرمة بيننا وبينهم. لقد تباين تقييم المحللين لهذه العملية وتعدد تقديرهم لزوايا نجاحها أو إخفاقها في تحقيق أهدافها حسب تعاطف المحلل من عدمه مع القاعدة أو ضدها كما نظن، ورغم قرب بعض الكلمات الرصينة أحياناً من الواقع ووجاهتها لا أدري لماذا لم أقتنع شخصياً بأي تحليل منها، فهي تبقى من وجهة نظرنا مجرد تكهنات تظل لا شك مستعصية عن النفاد إلى العالم الحقيقي شديد التعقيد لمنفذي العملية ومن يقف وراءهم ووراءها. وعلى عكس الضجيج الإعلامي ودوي الانفجارات التي صاحبت مقتل مختار الفقيه ومن قضي معه من الجنود والمدنيين فإنهم سيوارون الثرى بصمت وأسف وحزن من يعرفهم على الأغلب، وسنظل نتساءل عما كان سيقدمه الإرهابيون من عزاء - إن فعلوا - لأيتام هؤلاء وأمهاتهم المفجوعات وأراملهم الثكالى؟.