لن تجد أحداً من صانعي الثورة الأوائل ، سواء ال26 من سبتمبر 62 أو 14 أكتوبر 63 ، لديه من المشاعر المتناقضة حيال الثورة اليمنية كما هي عليه اليوم ، فالرعيل الأول من الثورة ، وحتى ما تلاه لا يزال يؤمن أن الثورتين جاءتا لتخلصا البلاد من مرضين : الأول الظلم الداخلي الذي كان يمثله نظام حكم بيت حميد الدين في الشمال والثاني الاحتلال البريطاني الذي جثم على صدور أهالينا في الجنوب لما يقرب من 130 عاماً . لكن اليوم نجد هذه المشاعر متناقضة ، بل في بعض الأحيان عدائية مع تزايد الحقن السياسي الخاطئ لدى بعض الأطراف وعقم في التعامل مع هذا الحقن لدى أطراف أخرى ، وفي اعتقادي أن السير في هذا الطريق هو الذي سيقود البلاد إلى مزيد من الفتن الداخلية ، وسيعمق من سلبية الشعور تجاه بعضنا البعض ، بخاصة وأن ممارسات كثيرة على الأرض لا تزال تمارس باسم الوحدة ، التي جاءت نتيجة طبيعية لتوحد الثورتين في الشمال والجنوب . لا نريد أن ندفن رؤوسنا في الرمال ونقول إن كل شيء على مايرام ، لا ، ليس كل شيء على مايرام ، نقولها وبوضوح ، فلدينا من المظاهر التي تمارس على أرض الواقع ما يجعلنا نبدي المخاوف بشأن تزايد حدة العداء للثورتين ونسف قيمهما، لدينا أناس يتباهون بأنهم أكبر من القانون، لدينا مؤسسات لا تزال تمارس مهامها بعقلية الماضي وهذه الأمور تفعل فعلها في المجتمع وتراكم الكثير من الأحقاد في أوساط الناس، سيكون من الصعب القضاء عليها إذا تركت تترسخ يوماً بعد آخر . نحن بحاجة إلى عقلية جديدة تدير شؤون البلد ، فالعقليات التي تدير اليوم الكثير من مؤسسات الدولة لا تزال تحن إلى العهد البائد، ذلك أن البقاء تحت رحمة هذه العقليات سيقود البلاد إلى مزيد من الدمار والخراب. اليوم ونحن نحتفل بذكرى مرور 46 عاماً على قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في شمال البلاد و45 عاماً على اندلاع ثورة الرابع عشر من أكتوبر في جنوبه علينا أن نستعيد روح الثورتين وتضحيات من قاموا بهما ، والترابط الجدلي بينهما ، وهو ترابط لا يمكن لأية جهة أو عهد أن يشكك به . ليس مهماً أن نقيم الاحتفالات التي نصرف فيها ملايين الريالات على حفلات فنية وخطابات وتقارير إخبارية في وسائل الإعلام المختلفة ، لنقول إننا نستعيد روح الثورتين ، بل الأهم هو أن نجسد هذه الروح في أعمالنا ونشاطاتنا وسلوكنا اليومي ، برد الاعتبار للشهداء الذين سقطوا في جبال اليمن ، شمالها وجنوبها دفاعاً عن ثورتي سبتمبر وأكتوبر ، وأن لا نتصرف بما يزيد من احتقان الوضع الذي لا تخفى على أحد حدته وخطورته.