السجال العسكري الدموي الذي يجري في الكونغو الديمقراطية يتصل عميقاً بجارتها رواندا، كما يتصل بالمجازر العرقية البشعة التي راح ضحيتها أكثر من ثمانمائة ألف رواندي من قبيلة التوتسي قبل عقد من الزمان . لقد جرت تلك المجازر بين قبائل الهوتو والتوتسي أمام العالم كله، ولقد تخاذلت دول الإقليم المجاور والأوروبيين المعنيين بتلك المنطقة وخاصة فرنسا، وهكذا استمرت مشكلة إنسانية عصية وأصبحت الآن تعيد إنتاج نفسها بكيفية جديدة وفي بلد مجاور لرواندا . المتمردون ضد النظام الكونغولي ينتمون إلى قبائل التوتسي، وفي ذات الوقت تتهم انجولا سلطة النظام الرواندي بتشجيع ودعم المقاتلين المتمردين، والأفدح من هذا وذاك أن جنود النظام الكونغولي يمارسون مجازر ضد المدنيين التوتسيين كما لو أن المسألة لم تغادر ذات المربع الكئيب للقتل القبلي البغيض . فرنسا وبريطانيا تبذلان جهوداً دبلوماسية مُكثفة لمحاصرة الأزمة، فيما تتصدى نيجيريا وكينيا لوساطات إقليمية قد تسفر عن نتائج إيجابية . كل هذا يجري والعالم العربي سادر في غيبة غائبة، وكأن مايجري في بلدان الوسط الأفريقي لايهمنا من قريب أو بعيد . ما يبرر حضور العرب في هذه المشكلات يتلخص في وجود ملايين المهاجرين العرب المنتشرين في شرق ووسط وغرب وحتى جنوب أفريقيا، وأغلب هؤلاء المهاجرين من أصول يمنية ولبنانية وعمانية، كما أن بلدان الوسط الأفريقي على تماس مباشر مع بلدان جنوب الصحراء الأفريقية والسودان، الأمر الذي يفسر عمقها الاستراتيجي تجاه المنطقة العربية، فلماذا هذا الإهمال الغريب، والتنازل المجاني عن أدوار ممكنة، بل وضرورية