يختلف الدرّاجون - أي سائقو الدراجات النارية - وتتباين مستوياتهم التعليمية تبايناً كبيراً، فمنهم على سبيل المثال الأمّي الذي لا يُحسن القراءة والكتابة ومتوسط التعليم ومتخرج الثانوية العامة ومنهم الجامعي الحاصل على البكالوريوس. كما يوجد بينهم الموظف والعسكري، المزارع والعاطل عن العمل فهذه مهنته الوحيدة، لكنهم جميعاً يتشابهون في أمرٍ واحدٍ محير هو تهاونهم بسلامتهم وسلامة غيرهم عبر خرقهم المحيّر والمستمر لقواعد المرور. عندما منعت الدراجات النارية قبل فترة شعرنا جميعاً بتعاطفٍ بالغٍ مع أصحابها لأننا نعلم أنه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة باتت الدراجة إحدى الوسائل التي تعين بعضنا على توفير المصاريف اليومية لكثير من الأسر والبيوت بل إنها تكاد تكون مصدر الدخل الوحيد للبعض، كما تصبح الدراجات أحياناً كثيرة ذات نفع ملموس عندما نود الوصول بسرعة إلى مقاصدنا في ظل الازدحام الخانق في بعض الشوارع، وحينها يكون من المفيد دائماً ركن السيارة والاعتماد على «الموتور» لربح دقائق طويلة من الانتظار. ومع تعاطفنا الحقيقي مع سائقي الدراجات تشتد حيرتنا كسائقين ومستخدمي طريق في الوقت نفسه بسبب تهاون هؤلاء بأبسط القواعد المرورية مثل الوقوف عند الإشارات الحمراء وإعطاء الأولوية لغيرهم واتباع الحذر عند التجاوز وغيرها من القواعد التي يلزمهم القانون بها، فهل لفظة «مركبات» لا تشمل في القانون اليمني الدراجات النارية عندنا؟. أما على مستوى الأمان الشخصي للدرّاجين فنلاحظ أنه إذا وجدت الخوذة الحامية للرأس مع أحدهم فإنه لا يرتديها بل يضعها أمامه في غير اكتراث لوجودها ووظيفتها أصلاً. ونادراً ما تجد منهم من يرتدي الخوذة التي ثبت إحصائياً على مستوى العالم أنها السبب المباشر في وقاية كثيرين من خطر الوفاة لأن أغلب الحوادث المميتة تكون في منطقة الرأس سواء للسائق منهم أو الراكب خلفه لا فرق، بل إن القوانين في العالم تلزم سائق الدراجة النارية بتوفير خوذة إضافية لمن يستقل معه الدراجة، ولو طبقنا هذه الحسبة في اليمن فسيكون على السائق توفير ثلاث إلى أربع خوذات للذين سيقلّهم خلفه وعين الحسود تبلى بالعمى. وفي ظل تنامي قطاع الدراجات النارية في معظم المدن الرئيسية لم يعد هناك مناص من تفعيل قانون المرور والجولان بحق هؤلاء درأً للخطر عن أنفسهم وحفظاً لسلامة غيرهم من مستخدمي الطريق، وعندما نقول «تفعيل» فنحن نعني جيداً عدم الحاجة إلى سن قواعد قانونية جديدة؛ لأنه لا حاجة لها في ظل وجود قانون نافذ يشملها بالتنظيم، وما على الإدارة العامة للمرور سوى أن تتخذ إجراءات حازمة، ودعوني أصر على أن تكون «حازمة جداً» كي يعلم أعزاؤنا سائقو الدراجات أن القانون يسري عليهم بالضبط بالقدر الذي يسري على أمثالهم من سائقي المركبات بكل أصنافها في اليمن، وأن الريشة التي كانت على رؤوسهم قد طارت، وفي عودة إلى الواقع نقول: بل نتمنى أن تطير الريشة ولو كلفنا هذا النفخ لساعات في عزيمة إدارة المرور لتصدر أمرها بإلزام الدرّاجين بالأنظمة المتبعة نفسها. لا أدري إن كان أحدنا قد سافر إلى بعض البلدان التي تكتظ شوارعها بالدراجات الهوائية أو «السياكل» وليس النارية ليرى مدى الانتظام الذي يشوب جولانها بل لقد خصص لها في بعض البلدان مسارات خاصة وأصبح الجميع يتعارفون على احترام قواعد السلامة حرصاً على الجميع. كما نؤمل من نقابة سائقي الدراجات النارية التي أعلنت نفسها حين قررت السلطة منعها قبل فترة للدفاع عن مصالح السائقين أن تعود للنشاط نفسه وبالهمة نفسها لتدافع هذه المرة عن حياتنا جميعاً وحياة أعضائها السائقين خاصة من الموت ومن الإعاقات المزمنة التي مُني بها للأسف كثيرون لم يدركوا معنى السلامة المرورية. [email protected]