لم يكن متعوداً على البقاء وحيداً في منزل كالمتاهة، فلقد غادرت أسرته منذ أسابيع وأصبح يعيش لوحده في مساحة هكتار من بناء وحديقة، وفي الصالة المتعددة كانت تنتظم سلسلة من المجالس والموائد فيما تعددت غرف المنام لما يتسع لعائلة من قبيلة ، لكنه كان وحيداً في المتاهة . في لية ليلاء سمع صوت طرقعة وخشخشة، وتيقن في دالته أنه صوت خشب، وقال في نفسه إنه صوت صادر من الدولاب الكبير في غرفة النوم، ولم يتمكن خلال هنيهة من التركيز ليعرف سبب ذلك الصوت، فلقد كان على يقين مطلق بأنه لا فئران أو حشرات في البيت الكبير الذي يملأه بفراغ شبحه المتنقل في أروقته، وبعد حين تكرر الصوت .. كان الصوت يعاود التكرار بعد يوم أو يومين، لكنه غالب القلق الميتافيزيكي الخفي برفع صوت التلفزيون وتعمير الغرفة بضياء المصابيح ، وفي الصباح عنّ له أن يمسح الدولاب بقطعة من قماش، ثم انساب مع القطعة تباعاً ليمسح الغبار ويجلي سطوح الخشب، وسار بعيداً في متوالية التنظيف ليشمل كل ما في الغرفة من أثاث . بعدها لم يتكرر الصوت لأيام طوال، فتيقن أن للخشب حياته الخاصة، وأن الدولاب كغيره من قطع الأثاث يطلبون منه العناية ، ويقدمون له نداءً ناجزاً . تكررت الحالة في حديقة المنزل .. هنالك حيث تتجول قطط الحارة الملونة، ، وترتصف بضع أزهار من الباتونيا والبينكا ، وتتبادل الأشجار المعمرة فترة الإزهار الملون صفراء وبيضاء وحمراء وبنفسجية ،ففي الحديقة كانت معالم العلاقة الموصولة بتضاريس حيواتها تتبلور تباعاً، فقد أصيبت شجرتان بنوع من العث الفطري القاتل . قال له المزارع : لا فائدة .. لابد من قلعهما قبل أن تسري الحُمى في بقية الأشجار وينتشر المرض! . لكنه أصرّ على مُعالجة الشجرتين ، فقال له الخبير : إن كنت مُصراً على ذلك فعليك مسح كل ورقة بالماء، وهكذا حتى تستنفد آلاف الورق مسحاً وتنظيفاً !! . بعدها بيوم واحد لجأ صاحبنا إلى غسل الورق واحدة تلو الأخرى. والحقيقة أنه لم ينجز من المهمة إلا نزراً يسيراً، لكن الشجرة التي نالت رعايته ظلت باقية وتخلّصت من انتشار الفطريات البيضاء، فيما ذهبت الثانية ضحية الإهمال . ماتت ! .