وضعت الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة الفلسطيني أوزارها بقرار اسرائيلي مثلما بدأت بقرار اسرائيلي أيضاً اتخذه جنرالات الحرب الاسرائيليون ولم تنتظر اسرائيل وجنرالاتها القمة العربية التي طال انتظارها طوال فترة العدوان الاسرائيلي الممتدة اثنين وعشرين يوماً ارتكبت خلالها اسرائيل أبشع المجازر بحق شعب أعزل إلا من سلاح الإيمان الذي كان أقوى من صواريخ العدو وطائراته ودباباته. نعم أوقفت اسرائيل حربها ولم تنتظر ما ستتمخض عنه القمة العربية من قرارات وبعد أن قتلت «1315» أو أكثر من أبناء الشعب العربي الفلسطيني معظمهم من الأطفال والنساء وجرحت أكثر «5400» معظمهم من الأطفال والنساء أيضاً في واحدة من أبشع جرائم الحرب التي عرفها التاريخ الإنساني بالإضافة إلى تدمير شامل للبنى التحتية من مؤسسات ومرافق وطرق ومنازل. ومع كل هذا القتل والدمار لم تنجح اسرائيل في تحقيق أهدافها، وخاب أملها في القضاء على المقاومة وكبح جماحها، فالحرب الاسرائيلية لم تحقق أهدافها كما كان مخططاً لها.. ورغم ذلك اضطرت اسرائيل لإعلان وقف الحرب، ويرجع ذلك إلى سببين اثنين الأول فشل اسرائيل الذريع وعجز جيشها عن تحقيق انتصار عسكري على الأرض، وظهر ذلك الفشل في بقاء خطر الصواريخ التي تطلقها المقاومة، ولم تنجح اسرائيل في الحد من هذا الخطر. أما السبب الثاني فإن اسرائيل رأت أنه من غير اللائق أبداً أن تحرج بعض أصدقائها من الزعماء العرب ممن راهنوا على آلة الحرب الاسرائيلية ولم يراهنوا على ثبات المقاومين وإيمانهم وصمود الشعب الفلسطيني وتضحياته. وحين انتفضت شعوب العالم الحر في وجه هذا العدوان الهمجي ظل العجز العربي يراوح مكانه وعجز القادة العرب من تجاوز خلافاتهم وإصلاح ذات بينهم والالتقاء تحت مظلة الجامعة العربية لبحث مخاطر هذا العدوان وتداعياته ومستقبل السلام مع هذا الوحش الاسرائيلي وليقولوا بصوت واحد لا للمجازر الاسرائيلية وألف لا لأي تواطؤ من شأنه أن يمنح اسرائيل شرعية ذبح شعب بأكمله، ومن تحت مظلتهم العربية يعلنوا للعالم أجمع أن غزة جزء من الوطن العربي الكبير وجزء عزيز وغالٍ ومن غير الممكن التفريط بذرة من ترابها أو السكوت والتغاضي عن قطرة دم تراق فيها مهما كانت المبررات والمزاعم. وأن على اسرائيل أن تدرك أن العنف لا يولد إلا العنف وأن من حق الشعب الفلسطيني أن يدافع عن نفسه وعن أرضه المغتصبة بكل الوسائل المتاحة وأن المقاومة تظل مشروعة ومن واجبنا دعمها ومساندتها ومد يد العون لها بالمال والسلاح ما دامت اسرائيل مستمرة في ارتكاب جرائمها ومستمرة أيضاً في تحديها للإرادة العربية. وأن السلام مع اسرائيل وإن كان لابد منه فيجب أن يكون سلاماً عادلاً يراعي حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وعودة اللاجئين وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ولكن تأتي رياح الأنظمة العربية بغير ما تشتهي سفن شعوبها، ودائماً ما تتحطم طموحات الشعب العربي وآماله تحت مقصلة الخلافات المتأججة بين الأنظمة العربية، وهذا قدر الشعب العربي ومصيره . المهم نجح القادة العرب أخيراً في عقد قمة جامعة لهم بعد أن سكتت أصوات القذائف والصواريخ وتلاشى هدير الطائرات وجنازير الدبابات الاسرائيلية وبعد أن خمدت حرائق غزة وانقشع غبار دمارها وخرائبها ولم يبق إلا أنين الجرحى الفلسطينيين وبكاء الأطفال اليتامى وعويل الثكالى الأرامل وهو ما أخذته القمة بعين الاعتبار وقررت أن تبني ما دمرتة اسرائيل وتكفل من يتَّمته اسرائيل، وهذا هو العقاب العربي الذي تستحقه اسرائيل.