من الصعب جداً أن تشاهد قائداً عسكرياً مهماًً يمشي في الشارع بمفرده بعد أن يخلص من مسئولياته ومهامه، ومن الواجبات الوظيفية والالتزام العسكري المضني.. وربما نجد من يعتبر خروج قائد عسكري عن متطلبات الحماية ودخوله في رحلة مع الذات في أحد الشوارع أمراً خطيراً يستوجب المساءلة!. هذه الأيام لا يكاد الرجل العسكري صاحب الرتبة الجيدة التي تصل إلى الطير يتسلم مهام مسئولية جديدة وإن كانت صغيرة حتى يسارع إلى إحاطة نفسه بهليلة من المظاهر الكذابة.. سيارة حبة وربع طربال.. أو صالون آخر موديل.. وسيارة أخرى مليئة بالمرافقين.. واستعراضات.. وزنط .. وغير ذلك!!!. البعض تحالفهم الحظوظ ويجدون أنفسهم أمناء صناديق أو كتّاب مرتبات.. وعند ذلك يصعب أن تجدهم بسهولة أو أن تخاطبهم بيسر ودون عناء.. وأول ما يحرصون عليه هو إحاطة منازلهم بمجموعة من الحراس المرافقين، والسير بسياراتهم في الشوارع بمرافقين يحملون السلاح. هذا ما يحدث عند بعض الصغار ممن تكبر بهم المسئوليات التي يتولونها بسرعة البرق، ولا يجدون حرجاً من ذلك ولا يشعرون بأي خجل. في الوقت نفسه هناك قادة عسكريون لهم مكانة كبيرة.. ومسئوليات عظيمة.. ولهم مواقف وأحداث مسجلة تاريخياًً ولا يمكن بأي حال من الأحوال نسيانها. خذوا مثلاً القائد العسكري الشجاع علي بن علي الجائفي، قائد قوات العمالقة.. وقفوا عند تفاصيل حياته وإنسانيته وتواضعه واحترامه للآخرين، وما يحظى به من حب وتقدير عند الغالبية. شخصياً لم أكن أعرف علي الجائفي عن قرب.. وإنما كنت أسمع عنه الكثير.. وأعرف أنه شجاع وذكي وقريب جداً من الجنود والصف والضباط.. وفي مواقف البطولة لا يتأخر ولا يترك قواته.. بل يظل قريباً وحريصاً على أن يمنحهم جرعات معنوية كبيرة. أعرف أيضاً أنه قصير القامة .. نحيف البنية.. لكنه شديد الذكاء، ويعرف جيداً كيف يكسب منْ حوله.. وينتزع حبهم وتقديرهم. مرات عديدة رأيته بعد أداء صلاة الجمعة في الجامع الكبير بصنعاء؛ يمشي ومعه بعض أولاده بلا مرافقين، ويأتي إلى حارته السابقة.. وكنت كلما أراه أمعن النظر.. وأقول في نفسي: معقول هذا الرجل الخفيف، الهادئ، العادي جداً، قائد قوات العمالقة..؟!. قبل أيام كنت في صالون حلاقة.. وفجأة دخل علي الجائفي ومعه ابنه وحفيداه الصغيران.. واستغربت كيف أنه لم يصطحب مرافقاً واحداً.. ولم يكن معه حتى سائق للسيارة.. وعند ذلك زاد احترامي له، وشعرت بأنه رجل قيادي من الطراز النادر، ويستحق أن نفاخر به ونحمله على رموش عيوننا. لا أخفيكم سألته: أين المرافقون، وكيف تمشي وأنت قائد عسكري بارز جداً وليس لديك حتى مرافق واحد؟!. فقال لي: أنا الآن لست في مهمة عسكرية، ولست في إطار ممارسة مهامي!. من هنا.. يجب أن يستوعب بعض القادة كيف يجب أن تكون تصرفاتهم.. ومن أين يكسبون حب الناس.. بالهدوء.. بالتواضع.. بالطيبة.. وبعيداً عن الهنجمة؛ لأنها سبب بلاوي كثيرة..!