قبل انتشار تجارة المخدرات كانت أسواق الآثار المُهرّبة هي الأكثر انتعاشاً في العالم، حتى شاع صيت مافيا عالمية متخصصة بأعمال التهريب والبيع، وترتبط بشبكة علاقات أخطبوطية مع كل الأوساط المهووسة بالآثار.. ورغم انزعاج الحكومات من ذلك إلا أنها لا تجد مفراً من التعامل مع هذه المافيا من أجل البحث واسترداد بعض القطع الأثرية التي تتم سرقتها من متاحفها. في العقدين الأخيرين طوّرت دول العالم الكثير من المعاهدات والاتفاقيات والآليات من أجل حماية آثارها من النهب، وأصبحت كل قطعة أثرية لها سجل خاص ورقم عالمي لتسهيل العثور عليها إذا ما تعرضت للسرقة.. إلا أن ذلك بقدر ما حدّ من أعمال التهريب بقدر ما أشعل أسعار السوق السوداء على نحو لا يصدق اطلاقاً.. وهو الأمر الذي دفع مافيا التهريب إلى البحث عن مصادر جديدة للحصول على الآثار لدى البلدان التي تفتقر لآليات الحماية كما هو الحال مع اليمن. يقول خبراء الآثار: إن الآثار المعروضة في متاحف اليمن.. والموجودة في مخازنها قد لا تصل إلى عشرة بالمائة من إجمالي الآثار المُهرّبة خارج اليمن.. والمفارقة الأكبر هي أن كل ما تم تهريبه تم إما مجاناً عن طريق قوى الاحتلال «التركي والانجليزي» والبعثات الأوروبية المختلفة.. وأما مقابل ثمن بخس للغاية ولا يكاد أن يصدق. التشريعات لا توفر أية حماية اطلاقاً للآثار، لأن أكبر عقوبة تحددها بحق مهربي الآثار هي الحبس لخمسة أعوام، ولم يسبق أن طبقت هذه العقوبة بحق أحد، حتى أولئك الذين ضبطوا داخل مخازن غارقة بالآثار. إن المشكلة التي تواجهها اليمن ليست مشكلة أمنية بحتة، بل متشعبة، فهي في جزء منها أن اليمن عبارة عن متحف مفتوح للهواء الطلق على حد وصف المختصين لها لغزارة آثارها، وثانياً غياب الإرادة الوطنية لحماية الآثار وإلا لدخلت جريمة تهريب الآثار نطاق الخيانة العظمى التي تصل عقوبتها الحبس المؤبد والإعدام كما هو حال كثير من دول العالم. الوجه الثالث للمشكلة هو غياب الثقافة الرسمية والشعبية بقيمة الآثار، ومن يذهب اليوم إلى متحف الموروث الشعبي أو الهيئة العامة للآثار لوجد قطعاً من الآثار الرخامية السبئية مرمية في الأحواش بين النفايات أو الممرات على نحو لا يدل أنها تساوي قرشاً واحداً.. وبالتالي فإن غياب الإحساس بالمسئولية عرّضها للنهب والتخريب العلني. أما لو حاول أحدكم استكشاف أوضاع المتاحف وحجم موازناتها ومشاكلها لوقف شعر رأسه من هول هذا التجاهل واللامبالاة التي لا تدل على أن هناك من يعتبر الآثار عنواناً لهوية وطنية وحضارية وثروة للأجيال.. ومع أن الأخ وزير الثقافة الحالي يحاول جاهداً لتحسين أوضاعها وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، لكنني أعتقد أن المشكلة أكبر من قدرات وزارته لأنها بحاجة إلى تمويل كبير، واستراتيجية وطنية وإرادة سياسية تؤسس لعصر ذهبي لإنعاش المتاحف وحماية المواقع الأثرية التي تشهد على مدار ساعات اليوم نهباً وتخريباً سافراً.