خلال الأيام القليلة الماضية قرأت تقريراً عن ارتفاع أسعار القبور في الصين بصورة جنونية ومذهلة وتفوق بأضعاف مضاعفة أسعار الأراضي السكنية وغيرها من العقارات. التقرير تحدث عن تهافت الصينيين لشراء القبور أكثر من تهافتهم على شراء المساكن، على الرغم من أن الدولة لها اتجاه آخر وهو الدعوة إلى إحراق الموتى بدلاً عن دفنهم، إلا أن المواطن الصيني يفضل دفن ميته كنوع من الحفظ والتكريم. وهذا الأمر ذكرني بسنوات خلت كان الناس في منطقتنا والقرى المجاورة يعيشون هوس حفر وحجز القبور، بعضهم عمال يتخذونها تجارة وربحاً، وبعضهم ميسورون يتسابقون لشراء أكبر كمية من القبور على اعتبار أن الواحد منهم يحجز لوالده ولوالدته وله ولزوجته وعلى مكان واحد يشكل تجاوراً، وطبعاً تتفاوت أسعار القبور بين أحياء راقية وأحياء شعبية داخل المقبرة الواحدة. وأستعيد هنا حديثاً للأخ رئيس الجمهورية دعا فيه الميسورين المتنفذين إلى التسابق على أعمال الخير بدلاً عن التسابق على نهب الأراضي والتنازع عليها والسطو على حقوق الناس الغلابى.. وحثهم تحديداً على تسوير أراضٍ من أملاكهم ووقفها كمقابر عسى أن تكون في ميزان حسناتهم. والسؤال هنا ماموقع أصحاب الدخل المحدود والفئات المسحوقة من سباقي الأراضي والمساكن، وحجز القبور؟ أحد الصحفيين ذهب بعيداً وقال: إذا كُنّا نعصر أنفسنا عصراً في خدمة المهنة والوطن ولا نستطيع أن نشتري قطعة أرض لبناء سكن عليها، ونقضي سنوات خدمتنا في مساكن الإيجار.. فهل يأتي وقت يكون فيه أهلنا وأولادنا غير قادرين على دفننا في مقابر ملك تسجل باسمنا؟ هل نتوقع أن تدخل قبور بالإيجار.. ربما؟! وقصة القبور تقودنا إلى شيء مهم جداً.. وهو أنه إذا كان اتجاه البعض من المتنفذين لعمل خير ووقف أراضٍ تخصص كمقابر سيكون عملاً رائعاً وفيه أجر، فأعتقد أن أهم من ذلك «وقف» أعمال الشر بدلاً عن «الوقف الخيري» إذ لا أحد ينكر أن مستصغر شرر نهب الأراضي والسطو عليها من قبل متنفذين هو ما أوصل الأمور في بعض المحافظات إلى ماوصلت إليه من مشاعر ضغينة وثقافة كراهية ودعوات تمزيقية. وبالتالي فإن نهابي الأراضي والمتنفذين الذين لم يشبعوا سطواً واعتسافاً لحقوق المواطنين الغلابي.. هم أيضاً «حفارو قبور» ولكن ليس لدفن موتاهم أو السباق على إيجاد «قبور خيرية» تنفعهم في آخرتهم.. ولكنهم حفارو قبور لكل مايتصل بالسلام الاجتماعي والتلاحم الوطني والتعايش والوئام بين مختلف مكونات الوطن. هؤلاء الذين يعدون قلة قليلة وتمثل أباطرة الفساد والنهب للأراضي نجدها تسور أراضٍ شاسعة قد تبلغ الواحدة ألف لبنة أو أكثر، لكنها في الوقت ذاته تهدم سور وطن وتحدث شروخاً في جدار الوحدة الوطنية. ونحن جميعاً ينبغي أن نصطف خلف قيادتنا السياسية ليس فقط في مواجهة دعاة التخريب والتشرذم والتمزق وإنما في مواجهة عتاولة الفساد والسطو والنهب وحفاري القبور لكل شيء جميل في هذا الوطن ولكل لحظة أمل تستغرق الغد الأفضل والمستقبل الواعد. وفساد «حفاري القبور» هو الخط الأكبر الذي يتهدّدنا جميعاً كشعب ووطن ونظام سياسي وبالتالي فإن علينا أن نوحد صفوفنا ونستشعر أننا في معركة واحدة هي مواجهة شرذمة الفساد والعبث والنهب وحينها لن يكون هناك خوف على الوطن وثوابته ووحدته ومستقبله الواعد.