لم يسبق أن التقيت الدكتور علي محمد مجور، رئيس مجلس الوزراء، لكنني أتابع بصماته التي تركها في كل المناصب التي تقلدها، حيث أثبت أنه رجل دولة من حيث الانضباطية والكفاءة ونظافة اليد وقول الحق، فضلاً عن امتلاكه الرؤية التي تمثل أساس نجاح أي مشروع.. وأعجبني أكثر موقف الرجل عندما اشتد به الغيظ وهو يقف على أصوات الابتزاز وهي تنادي بعودة تاريخ 22 مايو إلى الوراء وإحياء نعرات الطائفية والشطرية والمناطقية، فما كان منه إلا أن ترك مكتبه الوثير في مبنى رئاسة الوزراء ونزل إلى الميدان ليشرح للمواطنين، وبخاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية الحقيقة التي يحاول البعض طمسها أو القفز عليها، وهي الانتقالة الهائلة في أوضاع الناس المعيشية والحياتية ومشروعات البنى الأساسية في هذه المحافظات قبل وبعد إعادة تحقيق وحدة الوطن، فضلاً عن حديثه العميق الذي لا يخلو من دلالة على أنه لا مستقبل لليمن بغير الوحدة. ولست أبالغ عندما أقول إن المرحلة التي جاء فيها الدكتور مجور لرئاسة الوزراء تعتبر من أكثر الفترات حساسية ودقة، سواء لجهة الالتزام بتنفيذ البرنامج الرئاسي الانتخابي مع ما يترتب على ذلك من الاستمرار في برنامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية، فضلاً عن مجابهة التحديات الداخلية القائمة على انعكاسات الأزمة المالية العالمية وتراجع أسعار النفط في السوق العالمية. وأتذكر أنه عندما اتخذت حكومة الدكتور مجور منظومة من الإجراءات الكفيلة بمحاصرة تداعيات انكماش الدخل القومي جراء الأزمة المالية العالمية والمتمثلة في تخفيض ما نسبته 50% من الموازنة ومحاصرة الإنفاق البذخي غير الضروري، أتذكر أن كثيرين من المتابعين استهجنوا الخطوة واعتبروها غير ضرورية أو أنها على الأقل ستؤدي إلى إرباك في أولويات أداء الحكومة والإخلال بالتزاماتها. ومع مرور الأيام أثبتت هذه الإجراءات سلامتها لجهة كبح الإنفاق غير الضروري وسد بعض فتحات الفساد، فضلاً عن الإجراءات المماثلة التي تصب في شد الحزام حتى نتجاوز هذه الأزمة، وهو أمر مثّل نجاحاً غير مسبوق، غير أنني أشير هنا إلى ضرورة الالتزام باستمرار تطبيق تلك الإجراءات ومحاسبة كل المتجاوزين حتى تؤتي خطوات الحكومة أكلها تماماً في نهاية المطاف. ويقيني أن الدكتور علي مجور، رئيس مجلس الوزراء حريص على نجاح هذه التجربة، بل إن الحقيقة تشير إلى أن تلك الإجراءات قد حققت الهدف الأساس منها وهو المتعلق بامتصاص آثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد الوطني وإن بحدودها الدنيا.
تبقى الإشارة إلى أهمية أن تضاعف حكومة مجور من أدائها، خاصة في ظل المتغيرات الداخلية التي تتفاقم وتتطلب في نفس الوقت رؤية اقتصادية ومالية سريعة وتطبيقها، وبما يسهم في امتصاص جانب من البطالة والفقر باعتبارهما أساس كل مصيبة، ليس في اليمن فحسب، بل في كل البقاع والأصقاع، وبذل الجهود المكثفة لترجمة توجيهات فخامة رئيس الجمهورية فيما يتعلق بوضع آليات تنفيذ استراتيجية الحكم المحلي باعتباره من أهم الضرورات الملحة.