في تاريخ الأوطان والشعوب، وعلى مر الزمان، تنشأ أزمات واحتقانات وتمردات إرهابية غير مشروعة.. هذه الأزمات وتلك التمردات وأعمال الشغب تشكل ورماً خبيثاً في جسم الوطن يستدعي استئصال عملية جراحية لإيقاف استفحاله. وعادة لاتكون هذه العملية منوطة بطرف واحد هو الحكومة والنظام السياسي، بل تتطلب المشاركة الجمعية في استئصال هذا الورم، وتتجه الأنظار في مثل هذا الموقف إلى الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة والمنظمات الاجتماعية والجماهيرية، وهذا مايطلق عليه ب«الاصطفاف الوطني» لمواجهة خطر محدق بأمن واستقرار الوطن وأبنائه من انعكاسات وتداعيات تلك الأزمة وذلك التمرد الارهابي. وغالباً ماتكون الأحزاب في المحك العملي من هذه المواجهة، إذ أنه على مقياس موقفها من «الاصطفاف الوطني» يُعرف معدنها الوطني وموقفها من كل مايهدد الوطن والأمن والسكينة المجتمعية، بوصفها أي الأحزاب قامت على مبادئ وأهداف سياسية وفكرية وإنسانية يأتي في مقدمتها النهوض بالوطن وتنميته وتطويره والذود عن حياضه وتعزيز أمنه واستقراره وسكينة أبنائه. وقد سجلت الأحزاب السياسية وتحديداً أحزاب المعارضة في معظم بلدانه وأقطار العالم العديد من المواقف المشرفة في مثل هذه الأزمات والاختلالات الأمنية والتمردات الارهابية باصطفافها الوطني حول حكوماتها ونظمها السياسية، ومن دون انتظار دعوة من الدولة أو الحزب الحاكم وحكومته، ولو كانت تعيش أوج صراعاتها السياسية مع هذا الحزب الحاكم أو ذاك، لأنهاتعي في قرارة نفسها أن هذه المخاطر لن يسلم من شرورها أي فرد أو جماعة في الوطن المحدقة به هذه المخاطر. وتُعلمنا حقائق التاريخ أن الوطنية هي الشرط الأساسي لمنح الأحزاب والتنظيمات أهلية واستحقاق العمل الحزبي والسياسي في الوطن من منطلق ما توجبه دساتير الأوطان والشعوب، وماتشرعه أديانها وأعرافها وموروثها وثقافتها والتي تلتقي جميعها في قدسية الأوطان وسيادية الدستور والنظام والقانون. كما تعلمنا هذه الحقائق أن لامجال، لأي حزب سياسي أو تنظيم أو منظمة مجتمعية، للفرجة على الوطن وهو يتعرض للإرهاب والتدمير والخراب على يد صناع الموت من الأبناء العاقين المرتهنين للقوى الخارجية المتربصة بالوطن.. وأن لامجال للشماتة والتشفي مما يصيب هذا الحزب الحاكم وذاك النظام السياسي في أزمته ومحنته التي هي أزمة الوطن الذي أولاه قياده ومنحه أبناؤه ثقتهم. ويتعاظم أي موقف متردد ومخز لبعض أحزاب المعارضة من «الاصطفاف الوطني» فداحة في نظر الشعب، عندما تفوق مخرجات هذا الإرهاب وذاك التمرد كل التصورات والتوقعات من تقتيل للمواطنين الأبرياء واغتصاب وتدمير وتخريب وترويع ومآس إنسانية لايتقبلها إلا الشيطان وحده، لاسيما وقيادات هذه الأحزاب المعارضة تلمس وتشاهد بالصوت والصورة مايتعرض له أبناء وطنها على يد حفنة من المتمردين الارهابيين. ويؤدي هذا الموقف اللا أخلاقي لأحزاب المعارضة في المحصلة الأخيرة إلي سقوط مريع لهذه الأحزاب في نظر جماهير الشعب لما تحدثه «استاتيكية» التردد والموقف السلبي المشين، والذي يطلق عليه هنا الموقف المغاير من الاصطفاف الوطني في عقول وقلوب الجماهير من مشاعر السخط والاستنكار.