للموت أعراض كما أن للحياة أعراضاً.. هذه حقيقة لامفر من الإيمان بوجودها لكن بعض الحقائق في حياتنا رخوة جداً.. قد لاتذوب على اللسان لكنها أيضاً لاتكسر الأسنان! وقد نعض على أصابعنا طويلاً ونحن نحاول إقناع أنفسنا بالكثير من الحقائق حولنا.. لكن غالباً يأتي ذلك بعد فوات الأوان! ومن الجميل أن يجعل كل منا لنفسه خطاً للرجعة عن شطحاته المسبوقة بخيبة الأمل لكن الأجمل أن يكون تفاؤلنا حذراً منذ البدء إذ لاشيء في الحياة محتمل النجاح والعكس صحيح نسبةً إلى الفشل.. وعلى كل حال فالبدايات متعثرة غالباً لكن النهايات وإن تعثرت إلا أنها تستفيد من التجربة كتغطية كاملة للحدث دون الوقوف عند حد الزمان أو المكان. إن النفس الإنسانية جبلت على الصبر والتصبر كما جبلت على حب الدنيا ومافيها ولأن الحصول على مانريد يحتاج إلى الصبر, كان شرطاً ضرورياً لحصول التجارب ونجاحها أن نتحلى بالكثير منه خاصة في مجتمع متطور ومتغير كمجتمع اليوم ..إن الخبرات التي يكتسبها الانسان والتجارب التي يمر بها كنتيجة حتمية للوصول إلى اكتمال بناء الشخصية هي من أهم المؤشرات على ضرورة ارتباط الإنسان وتواجده في ظروف اجتماعية مكتملة ومناخات إنسانية متعددة وهذا حاصل سلفاً كون الإنسان حيواناً اجتماعياً ناطقاً متعلماً قادراً على كسب الخبرات وفق علماء الاجتماع برغم التحفظ من قبلنا على كلمة(حيوان) حيث إن الإنسان خلق ككيان مستقل عن المخلوقات الأخرى ومكرم بأن فيه نفخة من روح الله. بينما تمسكنا قائم بضرورة اندماج الإنسان في محيطه وحصوله على خليط متجانس من الأفكار والآراء والاستنتاجات والأطروحات التي تصقل فهمه للحياة صقلاً كاملاً وتعطيه فرصة للتعايش وفق أكثر من جماعة أو مجتمع. ولعل التفسير الذي يتحدث عنه الخبراء بنجاح الأشخاص ذوي الخبرة أكثر من سواهم أصحاب الكفاءة التعليمية إذ أن توظيف تلك التراكمات المهنية المكتسبة وظيفياً يحسن من الإنتاج المعرفي ويطوّر أشكال الإنجازات الإنسانية. ولاننكر أهمية العلم في حصول المعرفة الأسرع تمثيلاً ورصداً للمتغيرات الدقيقة بالإضافة إلى زيادة الإنتاج الكمي وفق مواصفات نوعية متطورة سواءً كان هذا الإنتاج فكرياً ام مادياً. وبرأيي لايمكن فصل العلوم عن تطور المجتمعات إنسانياً أو إيجاد فرق واضح بين خبرات الإنسان وتحصيله العلمي. فالكثير من الناس اليوم لايعمل في نفس مجال تخصصه بل يعمد الناس اليوم إلى تطوير المهارات والخبرات وتوظيفها مادياً للحصول على استقلال مادي وتوازن معيشي مناسب وهذا لاينافي أبداً نظرية تطور المجتمعات تكنولوجياً بل هو تعزيز لها. وفي بعض أنواع العلوم الحديثة ينقلب السحر على الساحر ويصبح العلم بجانب معين وبالاً على البشرية كتلك التجارب النووية التي تؤجج نار القلق داخل كيانات العالم السياسي اليوم والخبرة في تلك المجالات تفسد المعنى الحقيقي لنزاهة العلم وقدسيته وتجعله سلاحاً ذا حدين يعمل كلاهما لتدمير البشر إنسانياً بينما يكون الاستغراق في استقاء العلوم الديناميكية التي تطور الوعي والإدراك الإنساني بسرعة ونزاهة أي دون أن تغير مسار معتقداته أو تقضي على مبادئه أو تحرض سلوكه ضد الآخرين تكون تلك العلوم مطلوبة بقوة ويقبل عليها الناس رغبة في التطور والحصول على المعرفة الكافية على الأقل في محيط معين يستطيعون من خلاله إبراز ذلك الكم الهائل من معارفهم المكتسبة. المشكلة تكمن في عدم استغلال مخرجات التطور التكنولوجية بشكل صحيح, فمثلاً لم يستغل الحاسوب عندنا استغلالاً كاملاً إلا في حدود التنظيم المكتبي والأرشفة المؤسسية بينما يلعب الحاسوب في الدول المتطورة الدور الرئيسي في هيكلة وتصميم وتطوير مختلف العلوم والفنون والمهارات خاصة فيما يتعلق بالطب والمال والأعمال. ولن نطالب أن يكون الروبوت صديقاً حميماً لأبنائنا أو أن يسخر الكمبيوتر مدرسياً لخلق مواهب جديدة فذّة تطور من سير النسق التعليمي نحو الأفضل إنما نطالب بفتح باب القبول للحصول على الخبرات والتجارب المتميزة ومكافأة أصحابها ومحاولة الاستفادة منهم بتوظيف تلك الكفاءات حتى نستطيع الخروج من دائرة الروتين وإسقاط حالة الارتخاء الوظيفي على ميزانيات غير مدروسة سلفاً. ويبقى ولأجل الحصول على خبرة تراكمية ابتدائية لدى المتعلمين أن يتم إضافة بعض المواد أو الفصول الديناميكية كحد أدنى ضمن المنهج المدرسي سواءً للبنين ام البنات. إذ لايحصل الطلاب والطالبات على كفاية تكنولوجية ابتدائية خاصة في المدارس الحكومية التي إلى الآن لاتخصص من ميزانيتها وجدولها الحصصي فراغاً يليق بتعليم الكمبيوتر وتدريب المتعلمين كيفية استخدامه واستغلاله في تطوير مواهب الطلبة وإبراز طاقاتهم إلى حيز الوجود. وفي اعتقادي أن السبب في كثير من المشكلات التنموية والمادية وحتى الاجتماعية يعود إلى اهمال حق التعليم واعطائه مكانته اللائقة به وإقصاء قدرته على تغيير المجتمعات المنهكة والتي ليست بحاجة إلى استيراد الفساد المعبأ فكرياً بل هي بحاجة فقط إلى استيراد إمكانيات تعليمية جيدة وإفراغ مساحة كافية لميزانية التعليم وحشد الطاقات العملاقة من مختلف أرجاء الوطن لعمل خطة سريعة لإنقاذ العلم من النزيف الوريدي الكامن في مخرجات مختلة معرفياً غير قادرة على إيصال المعلومة أو تفتقد للمعلومة أو ما زالت بحاجة إلى معلومة!!