قال الشاعر: سبكناه ونحسبه لجيناً فأبدى الكير عن خبث الحديد هذا البيت الحكيم ينطبق تماماً على معدن قوى أحزاب المعارضة السياسية في بلادنا. فقد كنا نحسبها في بادىء الأمر معارضة هدفها المصلحة العليا للوطن، وفي مقدمتا وحدته الوطنية وسيادته وأمنه واستقراره، وكنا نتعشم فيهم مواقف سياسية أخلاقية تتمثل في مقدرتهم على وضع مصلحة الوطن قبل مصلحة الحزب أو التنظيم أو الجماعة أو الأفراد، وأن يكفوا عن التوهم بأن في مقدورهم خداع الشعب بالمزايدة على وحدته والمقامرة بتمزيق لحمته الوطنية ونسيجه الاجتماعي من خلال الانحياز لغواة التشظي الوطني والتشرذم الاجتماعي الذين جاهروا بدعوات الانفصال، وتمادوا في فعالهم الإجرامية والتخريبية لتدمير الوطن ومكاسبه. نقول: كنا نحسبهم – أي المشترك – معارضة تراعي مبادىء التعامل والحفاظ على القيم الأخلاقية للمعارضة السياسية العاقلة، وليس معارضة تسخر إعلامها وخطابها السياسي لتأجيج الصراعات الطائفية والمناطقية والقبلية لإعادة الوطن إلى الماضي المؤلم ومآسيه، ولكن.. خاب ظننا فيهم، وكشف “الكير” عن خبث معدنهم. لقد صبرنا على مزايداتهم ومناكفاتهم وابتزازاتهم لنظامنا السياسي وتجربته الديمقراطية الناشئة، كما صبرنا على كل ما تضخه وسائل إعلامهم من زيف وكيد سياسي غاشم، وما تفبركه، على نار هادئة، مطابخهم السياسية من تخريجات وبلبلة وإشاعات لا أول ولا آخر لها. واليوم.. وبعد أن أفلست قيادات هذا التحالف “المعراضي” المسخ في الحصول على ما كانت تطمح فيه من مصالح ذاتية، وبعد أن تيقنت أنها بعيدة عن الشعب بعد الثريا عن الثرى، كشفت عن آخر ورقة “توت” كانت تستر عريها السياسي، وفاحت روائح مكرها ونفاقها، لجأت إلى مغامرتها “الدونكوشيتية” لتلعب على ورقة ما تسميه – كيداً ونفاقاً – بالقضية الجنوبية. غير أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حيال ما أقدم عليه “المشترك” عن مغامرة سياسية خبيثة، يقول: ما الذي دفع بهذه الأحزاب إلى امتطاء موجة الكيد السياسي والخروج على محددات قانون الأحزاب ولائحته التنفيذية والتي تجرم المساس بالثوابت الوطنية، وتحدد النظام الردعي والذي يصل إلى حل الحزب عند ارتكابه لأي من المحظورات المنصوص عليها في المادة (33) من قانون الأحزاب والمادة (56) من لائحته التنفيذية، وفي مقدمة هذه المحظورات المساس بالعقيدة الإسلامية، وتبني أشكال الحكم البائد الملكي والسلاطيني، ومناهضة الثورة والنظام الجمهوري والوحدة والديمقراطية، والإخلال بالأمن والنظام العام.... إلخ؟!. وتأتي الإجابة عن ذلكم السؤال في تساهل الجهات المعنية بتطبيق قانون الأحزاب ولائحته، وهذا سبب واقعي ومنطقي دفع بالمشترك لامتطاء أكثر من موجة في ظل هذا التساهل والتسامح والطيبة، علماً أن طريق جهنم مفروش بالناس الطيبين. مع التذكير بأنه سبق وأن نبه العديد من الكتاب والمفكرين والباحثين السياسيين إلى مغبة مثل هذا التساهل، وأذكر منهم الدكتور أبوبكر القربي في كتابه القيم الموسوم ب “تأملات ورؤى سياسية” حيث يقول: “الحرية المطلقة في غياب ممارسة غير مسئولة خطر يوازي خطر الحرمان منها أو أشد، كما أن العمل الحزبي يجب أن يخضع للمسئولية والمساءلة عندما تنحرف الأحزاب عن أهدافها أو توظف نشاطاتها للإضرار بمصلحة الوطن، ولذلك فإن قانون الأحزاب يجب أن يراجع وأن يُفعَّل ليعزز حرية العمل الحزبي بقيم الممارسة الديمقراطية الصحيحة ويحمي أحزاب المعارضة، ولكن الأهم من ذلك هو حماية الوطن من أن تتحول الأحزاب إلى أدوات بيد المتآمرين على الوطن من الداخل والخارج، أو إلى وسائل لإثارة الفتن وخلق مناخات للتوظيف الخاطئ لصحفها ومنابرها في جو المماحكات السياسية”. (راجع ص 138 من الكتاب – طبعة أولى) وبوجيز العبارة، يقول لنا القربي: “ إن لا مناص من تفعيل قانون الأحزاب”. قال الشاعر: فيالك من حزم وعزم طواهما جديد الردى بين الصفا والصفائح النابغة الذبياني