منذ أن ظهر حزب العدالة والتنمية التركي إلى الساحة السياسية المحلية والعالمية وهذا الحراك الذي ركد لأكثر من ثمانين عاماً يتخذ مسارات مذهلة على طريق إحياء التلازم والترابط بين العالم العربي وأحفاد الأمبراطورية العثمانية المنبعثة على أسس رائعة تشهد عليها الآثار والمعالم العظيمة في كل من أنقرة واسطنبول وعواصم ومدن العالم العربي من الشرق وحتى الغرب، ومن الشمال حتى الجنوب.. كان الأشقاء في كل من تركيا وحواضر وبوادي العرب بصورة خاصة قد فقدوا الأمل بعودة ما كان بين هذه الشعوب على مدى أكثر من أربعمائة سنة عملت جحافل الفاتحين العثمانيين خلالها على توسيع رقعة الإسلام جغرافياً وديمغرافياً، فانتشر الإسلام، وحطّ المسلمون واستقروا في مواطن كثيرة من شرق أوروبا تحديداً تحت راية الامبراطورية العثمانية وعدالتها في تلك البلدان التي كانت تعيش في تخلف وصراع مسيحي واثني طويل. ومن بداية المشوار لحزب العدالة والتنمية التركي عمل زعماؤه وخاصة رجب طيب أردوغان وعبدالله غُل بمجرد إلغاء حزب الفضيلة ومحاكمة زعيمه نجم الدين أربكان في التسعينيات؛ عمل على حمل راية العمل على إعادة الضوء إلى تلك الديار الحافلة بمآثر وإبداعات الامبراطورية العثمانية ابتداء من الداخل بإعادة الاعتبار إلى التراث الديني والثقافي والاجتماعي. وقام بتصحيح المفهوم القومي الذي بسببه ظهرت مقاومة للوجود العثماني في بلاد العرب بتحريض وصراع من قبل الامبراطوريتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا ومن بعدهما الولاياتالمتحدة التي غيّرت مجرى الحرب العالمية الثانية لصالح الحلفاء بدعم من بعض رموز العرب السذّج الذين استغلوا تأييد الشعوب العربية لهم في مقاومة الأطماع اليهودية في فلسطين والمنطقة العربية كلها. لقد كانت مشاركات رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا في المؤتمرات الإقليمية والدولية وفي الفعاليات المحلية تؤسس وتعمل بشجاعة المؤمن الذي لا يخاف في الله لومة لائم على إعادة الروابط وإحياء العلاقات الحميمة المشتركة بين العرب والمسلمين من ناحية والأتراك من ناحية ثانية. ولأول مرة منذ قيام مصطفى أتاتورك بعزل عاصمة الإسلام عن محيطها الذي كان مترامي الأطراف في عشرينيات القرن العشرين، وإلغاء الحروف العربية والأذان للصلاة، وإغلاق المساجد، وتحويل بعضها إلى أماكن ترفيه أو كنائس، ومنع الحجاب، وإباحة الفجور من خلال الدعارة وأمكانها، وفتح النوادي الترفيهية، وتشجيع ثقافة الغرب وسلوكياته على نطاق واسع. وحوّل هزيمة جيشه في الحرب العالمية الأولى إلى عداء ضد العرب بالعمل على تمكين اليهود من احتلال فلسطين، وتأسيس سياسة لما بعد فترة وجوده تحض على فتح الأبواب التركية أمام عمل المنظمات الصهيونية في بلاده ومنها للسيطرة على كامل فلسطين وصولاً إلى تحقيق حلم اسرائيل الكبرى التي رسمتها بروتوكولات حكماء صهيون. اليوم يتصدر رجب طيب أردوغان قائمة المدافعين عن حق الشعب الفلسطيني في استعادة حريته وأراضيه، وعن ضرورة قيام تعاون وتحالف تركي عربي إسلامي لمجابهة أخطار التوسع والتهويد وهدم المسجد الأقصى بكل صدق وإخلاص. كاشفاً حقيقة أن الكيان الصهيوني قام بالعنف والاحتيال والتعالي على القوانين الدولية تحت حماية ومساندة الدول الكبرى صاحبة مشروع “سايكس بيكو” الذي قسم وتقاسم الأقطار العربية أثناء معارك الحرب العالمية الأولى التي كان وقودها آلاف ومئات الآلاف من العرب وعلى رأسهم الشريف حسين المخدوع بالزعامة والحرية من قبل البريطانيين والفرنسيين. فما من مناسبة سياسية أو اقتصادية إلا ويقف رجب طيب أردوغان بقوة في إدانة الممارسات الاسرائيلية بحق الفلسطينيين وسعيها إلى تهويد القدس، وتدمير المسجد الأقصى، والاستقواء بسلاحها النووي المدعوم من قبل الولاياتالمتحدة وأوروبا في الوقت الذي تسعى تلك الدول لمنع بعض دول المنطقة من امتلاك طاقة نووية سلمية. وكان رجب طيب أردوغان الشخصية الوحيدة التي أثارت إعجاب العرب أثناء انعقاد قمة “سرت” الثانية والعشرين مثلما كان في مؤتمر “دافوس” الاقتصادي قبل سنتين وانسحابه منه احتجاجاً على مغالطات وكذب رئيس اسرائيل شمعون بيريس، وخلال الحرب على غزة في بداية عام 2009م، ومطالبته المستمرة بوضع ترسانة اسرائيل النووية تحت المراقبة الدولية، وإلزامها بتنفيذ قرارات الأممالمتحدة المتعلقة بكل ما سببته اسرائيل لهذه المنطقة من ويلات ودمار شامل.