تظل مشكلة التعبئة الخاطئة للشباب فكريًا أبرز المعضلات التي تواجه بلدنا وكثيراً من بلدان العالم العربي والإسلامي نتيجة وجود جماعات تستغل العاطفة الدينية للشباب وتغرر عليهم باسم الدين وتحت مبررات وحجج ما أنزل الله بها من سلطان. صحيح أن هناك بيئة خصبة يترعرع في ظلها الإرهاب، وهي ما تتمثل بوجود الفقر والبطالة وانعدام فرص العمل أمام الشباب ومظاهر الفساد الأخلاقي والقيمي والمالي والإداري التي يلحظونها ويعايشونها وتنتج لديهم رد فعل يجعلهم أكثر قابلية وطواعية لمثل تلك الدعوات من قبل الجماعات المتطرفة, لكن كل ذلك ليس إلا جزءاً من المبررات وليس كل المبررات والمسوغات. ينبغي أن يكون هناك دور فاعل لوسائل التوعية والإرشاد وخصوصاً منابر المساجد ووسائل الإعلام والمنابر الثقافية والفكرية المختلفة، وسواء كانت أهلية أو حزبية أو رسمية , إذ أن الجميع يتحمل المسؤولية وليس فقط الجهات الرسمية. بلادنا التي هي أرض الحكمة والإيمان كما وصفها الرسول الكريم محمد «صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم» وهي بلد التسامح والاعتدال الديني كما عرفتها الأمم, ولكن للأسف الشديد شاءت الظروف أن تكون من أوائل البلدان التي اكتوت بنار الإرهاب, وتحديداً منذ العام 1992 وحادثة فندق عدن التي استهدفت من خلالها القاعدة مجموعة من المارينز الأمريكيين الذين كانوا يتأهبون للذهاب إلى الصومال. ثم كانت الجريمة البشعة والتي أسفرت عن قتل وخطف عدد من السياح الأجانب في أبين في ديسمبر 1998م من قبل ما عرف حينها بجيش عدنأبين الإسلامي.. ولا أحد ينسى حادثة تفجير المدمرة الأمريكية «يو.اس.اس.كول» في ميناء عدن في الثاني عشر من أكتوبر 2000م. وطبعاً عديد من العمليات الإرهابية التي وقعت في بلادنا والتي كان آخرها العملية الفاشلة التي استهدفت السفير البريطاني بصنعاء يوم أمس الأول, وهذه الأعمال الإرهابية ألحقت بالغ الضرر باليمن وسمعته واقتصاده وعرقلت الكثير من المشاريع التنموية، خصوصاً الاستثمارية والسياحية،وحرمت الكثير من الشباب من فرص عمل كانوا سيحصلون عليها لو أن الأوضاع المستقرة هي الشيء السائد. وبحسب إحصاءات رسمية فإن أكثر من سبعين ألف فرصة عمل في قطاع السياحة تضررت بسبب الأعمال الإرهابية , ناهيك عن مجالات استثمارية واقتصادية أخرى واعدة تضررت وخسرت فرص عمل كانت ستستوعب الكثير من الشباب الذين يعانون مشكلة البطالة. وليس فقط ما نحصده من خسائر وأضرار سياسية واقتصادية وتأثيرات تلك الأعمال على مصالح اليمن وعلاقاتها مع الدول الصديقة, ولكن للأسف الشديد هناك بالغ الضرر ما يتصل بتشويه قيم الدين الإسلامي الحنيف الذي هو دين التسامح والاعتدال والوسطية ودين المحبة والدعوة بالتي هي أحسن والمجادلة بالحسنى.. وجميعنا يعرف أن الإسلام ينتشر ويزداد أتباعه بالمعاملة وبالسلوكيات الحسنة والإنسانية والروحية السامية التي يجسدها أبناؤه وليس بالرعب والعنف والأعمال الإرهابية التي ترسم صورة سوداوية عن الإسلام أمام الرأي العام العالمي. وبالتالي ينبغي على الجميع وخصوصاً المعنيين العمل على صياغة استراتيجية إعلامية وإرشادية توعوية تنقذ شبابنا وتنتشلهم من براثن التغرير والاستقطاب الذي تمارسه الجماعات المتطرفة. [email protected]