عبد الله القصيمي ظاهرة شاذة ومبكرة في السوق الفكرية العربية منذ الستينيات، ولكن سره في انقلابه يحيط به الغموض، فبعد أن كان أزهرياً يكتب في (صراع الوثنية والإسلام) انقلب على عقبيه، ودار نصف الدورة إلى الاتجاه المعاكس؛ فكتب ردته بأحرف في غاية العنف والقسوة بعنوان (هذه هي الأغلال) فطلق الثقافة العربية طلاقا ثلاثا لارجعة فيها ولو تزوجت وعادت؟ وبعد كتاب (هذه هي الأغلال) أعلن ردته ومن بلده هرب، يظهر ذلك واضحا في رسائله المتفجرة مع قدري قلعجي، والأخير أنشأ (دار الكتاب العربي) وتجرأ على نشر كتب هذا النجدي الثائر، بكل الكثافة السمية وماحملت، فأصدر له سلسلة من قنابل فكرية بعناوين شتى (العالم ليس عقلا) و(صحراء بلا أبعاد) و(أيها العار إن المجد لك) و(فرعون يكتب عن سفر الخروج) و(كبرياء التاريخ في مأزق) و(الإنسان يعصي لهذا يصنع الحضارات) و(العرب ظاهرة صوتية) و(هذا الكون ماضميره؟).. وهي كتب غنية بالثقافة والحماس والمترادفات الإنشائية واللغة البليغة والاسترسال اللفظي، وفي وقتها كانت نموذجاً محركاً مدمراً صاعقاً محرقاً، كذلك هي حافلة بالكفر العميق بالله والدين والثقافة والعقل العربي. والرجل يذكر ب (توماس كامبانيلا) ورسالته حول الإلحاد، كذلك ب (جان مسلييه) الكاهن الذي خدم في كنيسة ثم كتب عهده الجديد على خفية من الرقيب ومخابرات الكنيسة وجواسيسها ومحاكم تفتيشها، خطها ببطء وبتأن وبطول تفكير في هدأة الليل وترك منه ثلاث نسخ، لم يتجرأ حتى فولتير الجامح أن ينشر كتابه لكثافة الإلحاد الذي فيه، وحالياً ينطبق هذا على القصيمي الذي تمنع كتبه حتى اليوم من الانتشار، في ضوء المحرمات في الثقافة العربية. تحدث القصيمي عن الإنسان العربي فقال “ العربي لا يكتب ولم يكتب إلا ماهو غباء أو جهل أو كذب أو نفاق، أو كل ذلك، أو ماهو شر من ذلك!!) (الرسائل المتفجرة ص 32) بهذا التعميم والنفي لكل الثقافة العربية، مع هذا نبقي محظوظين، وهناك أمل في الثقافة العربية حين لم يستخدم حرف (ولن؟)..أما حديثه عن الله والنبي فيقول:« ماذا يعني وجود الإله أو يساويه؟ قالوا وجود الكون. قيل لهم وماذا يعني وجود الكون الذي وجد الله من إجل إيجاده؟ (ص 30). القصيمي يصر إلا أن يمد يده ليضرب السماء بحجر، وهي تمده بالمطر، ولكنه نجدي قاسٍ عنيف ولا غرابة! وأما كيف رد على صلاح المنجد الذي فضل الالتحام بالسلطة الزمنية ومطاردة أفكار القصيمي؛ فقد كتب عنه تعليقاً لاذعاً جداً، وقال فيما قال الملائكة مجتمعون لتدارس كلمات المنجد وأن الملائكة يتعلمون هذا اللون من التهذيب على يد المنجد :”جميع الأنبياء والقديسين قد قرأوها وتعلموا منها قبل هداية البشر الصدق والنظافة والتقوى . إنه بقايا الفكر الديني مقلوبا، استخدام المقدس في معركة شخصية؟بل خلع مشاكله النفسية على المقدس؛ فهو يفسر الوحي أن الرب في وحدته القاتلة والكآبة المسيطرة، كان لابد له من مخاطبة البشر؟!والشيء الذي لم يخبرنا به القصيمي أن الوحي توقف، فكيف يعالج الرب نفسه بمضادات الدبريشن الكآبة (Anti Depression Drugs)، كذلك لم يفسر لنا ظاهرة الخلوة والجلوة عند الصوفيين والرهبان، بل وقول ديورانت أن الوحدة ألذ شيء عند الملوك والقديسين. وليس من نبي أرسل إلّا بعد وحدة طويلة وخلوة عميقة مؤنسة، وليس وحدة معمورة بالكآبة القاتلة، كما هو حال القصيمي المسكين.. الذي كتب عن نفسه يقول: بائس قلبي... (ص 90) .. الوحيد في جحيمه (ص 140) أحسد الحشرات (ص 94).... (بالمناسبة العناكب والقطط التي يحسدها لم تشكو من الوحدة القاتلة) ادعوا الكتاب إلى الانتحار (ص 97) مع ذلك لم يطبق ماقال ولم ينتحر، إلا إذا اعتبرنا ردته لونا من الانتحار الثقافي؟ :»