يشبه عبد الله القصيمي النجدي السعودي نيتشة الذي كفر بالإله، وأصحاب الكهف الذين فروا إلى الجبال وكفروا بالطاغوت، ويشبه ميشيل فوكو الفرنساوي الذي كفر بالإنسان، ويشبه هابرماز الألماني الذي كفر بالحداثة، ويشبه سيد قطب الذي كفر بالعجل الناصري، ويشبه من طرف الكاهن مسلييه الذي كفر بالمسيح والمصلبة، ويشبه العبرانيين مثل يوحنا المعمدان الذي انتهى مصيره برأس مقطوع على طبق من أجل رقصة سالومي!. فهو مؤمن عميق الإيمان، كافر ملحد إلى درجة السمية؛ سخر بكل شيء بدءاً من الإنسان العربي، وانتهاء بالثقافة والكعبة والأصنام، وهو بهذا يمثل المركب المتفجر، المتازم للثقافة العربية الحالية، المحتقنة بجيوب وكهوف ومغارات ومدخل؛ فمن يتأمل انتخابات السودان في أبريل 2010م يضحك، ومن يتأمل جملوكيات الخوف والبطالة يتذكر تجارب الهيبريد بمزج جينات الفيران مع البغال لاستنبات كائنات خرافية، ولكن هذا لا يدعو للضحك بل البكاء!! أفمن هذا العجيب تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون لاهون غافلون.. إن قدر وقرد العالم العربي اليوم يصنع ويطبخ، بنكهة لايستسيغها أنف وذوق، ولكنها أكبر من الحقيقة، فنحن جيل التيه والخوف والهزيمة والمحرقة، ولذا كفر القصيمي بكل هذه اللوثة، من الثقافة المحتضرة المحنطة المتكلسة في متحف حي أضحوكة للعالمين، التي يجب تفجيرها والخروج منها، وهي مشاعر الكثيرين، ولكن القصيمي سبق الكل بالصراحة والجرأة؛ فمات مثل أبي ذر طريدا شريدا وحيدا مذؤوما مدحورا من ثقافة تناضل عن نفسها بسيف ولهيب نار يتقلب. في الغرب تأزم الفكر واختنق، وضربت الكنيسة بستار من الخديعة والكذب والتظاهر بالتقوى حتى انفلق، فولدت الإباحية من فوهات التشدد، والإلحاد من بطن التعصب، فهذه سنة كونية، من آليات الارتداد المرضية. والثقافة العربية لاتخرج عن هذا القانون. ولعل الكاتب (عبد الله القصيمي) يمثل أفضل تعبير، وأعظم تدمير بنفس الوقت، كما جاء في عنوان (الرسائل المتفجرة) في كتاب ضم مراسلات بينه وبين قدري القلعجي. فالرجل لم يعد عنده مقدس، وطلق الثقافة المحلية بكل إحداثياتها وغيبياتها ومفاهيمها طلاقا ثلاثا لارجعة فيها، فعمرها قصير، وعيشها حقير، ومحتواها هزيل مشكوك فيه، من شيعة وسنة، وسلفية وخلفية، وفقهية وحديثية فالعرب لاشيء، وتاريخنا كذب، وحكاياتنا مزورة. بهذه الحدة، وبهذه القسوة المفرطة، وبهذه الثنائية الجنونية، وبهذا العنف الذي مابعده عنف، بدون أن يقف عند حاجز وسور؛ ينطلق مثل تسونامي ثقافي بدون شواطئ. وهي ظاهرة مدمرة، خطيرة مزلزلة، مثل الصواعق والحوارق والطوفانات، إذا لم تنظم وتدفع عبر الأقنية والمسارات قتلت نفسها ومن حولها، ولذا فالرجل هرب هائما على وجهه، وترك بلده، وودع ثقافته بعد أن كفر بها ثلاثا، وفي النهاية كان يقول لمن يزوره على خوف من الرصد والرصيد والمخابرات والتقارير السرية؛ تسألني كيف أعيش؟ نحن ثلاثة؛ الله والمرض وأنا؟ فهذا هو القصيمي باختصار..