الجنس والسلطة.. هما أقدم "كوكتيل" فى التاريخ، فمنذ فجر الحضارة عرف التاريخ علاقة المرأة بالسلطة، فاستطاعت الأنثى ترويض واستئناس أكثر الرجال قوة وقسوة، بل وطغياناً أيضاً، فكم من حكام وسلاطين، ملوك وأمراء، خضعوا لجمال امرأة فاتنة، ووقعوا فريسة لإغرائها. تلك هى الحقيقة التى يكشفها كتاب "الحريم والسلطة: من أميرات الشرق.. إلى عاهرة الجمهورية" للكاتبة سلمى قاسم جودة، والذى صدر فى القاهرة عن سلسلة كتاب اليوم التى ترأس تحريرها الأديبة نوال مصطفى. يبحث كتاب "الحريم والسلطة" فى أنشودة الجنس والسلطة، التى عزفها التاريخ عبر مراحله الطويلة، فأتاحت للمرأة أن تلعب دوراً بارزاً فى إدارة شئون الحكم، من خلال سيطرتها على جسد وعقل، بل وروح، الرجل. يضم الكتاب مجموعة من الأسرار الخفية، أبطالها عاهرات.. غانيات.. راقصات.. ساحرات، وأيضاً ملكات وأميرات، احترفن التسلق على غرائز الرجال، وأتقنَّ التمكن من نقاط الضعف، ومفاتيح البوابات الذهبية لقلوب وعروش الرجال المهيبة، فدلفن إلى منطقة "الفانتزم" أو الحلم المخضب بالشهوة، من خلال أجواء مسكونة بإيروطيقية لافحة، فكانت أول رقصة "ستريبتيز" فى التاريخ لسالومي، تلك الفاتنة الخطرة التى رقصت أشهر وأكثر الرقصات دموية فى التاريخ، فأغرت الملك "هيرود"، فقدم لها رأس النبى يوحنا المعمدان على مذبح الرغبة المشتعلة! وتشير المؤلفة إلى دور الرقص وأهميته فى حياة المرأة، منذ قديم الزمن، وتصف ملامح الرقصة الدامية للفاتنة الخطرة سالومي، رقصة الغلائل السبع الحريرية، التى كان ثمنها رأس يوحنا المعمدان، ولقد ألهمت الغانية سالومى عبر التاريخ العديد من المبدعين، فكانت قصة هيرودياد للأديب الفرنسى فلوبير، وأيضاً مسرحية سالومى للكاتب محمد سلماوي، وقد تسلل أثر سالومى إلى بداية القرن العشرين، وأثناء الحرب العالمية الأولى، فكانت أشهر راقصة وجاسوسة فى ذلك القرن، وهى ماتاهاري، ولقد اختارت اسم "ماتاهاري"، والذى يعنى باللغة الماليزية "عين الفجر"، نظراً لغموضه، وسحره، واحترفت ماتاهارى الرقص بأسلوب سالومى دائماً، الذى يحمل فى طياته اللغة الأبدية، وميراث الخطيئة، التى تنتهى دائماً بمأساة، فلقد سلبت "ماتا" الوزراء والسفراء أسرارهم، من خلال غلائلها السبع! وتذكر المؤلفة أن التاريخ حافل بالنساء الخائنات، المتلفحات بالغدر، فقد برزت ماتاهارى فى بدايات القرن العشرين كأشهر جاسوسة فى التاريخ، وكانت ماتا بارعة فى غزل الأكاذيب والخطابات المثيرة، إذ كانت مولعة باختلاق القصص، والعيش فى الأوهام، وعرفت الراقصة الشهيرة كيفية استثمار تلك الجاذبية أو الجمال الشرقي، الذى أتاح لها دخول الطبقة الراقية فى أوروبا وصفوة المجتمع، لكن لسوء حظها، وقعت ماتاهارى فى حب ضابط شاب روسي، عشقته بجنون، ولسوء حظها أنها تحولت إلى امرأة ذات قلب، فخمل عقلها، وبمنتهى اللامبالاة وعدم الإدراك اتصلت بالمخابرات الفرنسية، وأصبحت عميلاً مزدوجاً، وبدأت سلسلة من التصرفات الممزوجة بالحماقة، والتى سرعان ما أدت إلى إعدامها فى 15 من أكتوبر عام 1971. وتذكر المؤلفة نموذجاً آخر للمرأة الخطرة، التى تنافس على تصويرها الفنانون، وهى "دليلة"، ولم تكف المرأة فى يوم من الأيام عن الاستمرار فى اللعبة الأزلية مع الرجل، لعبة "مَن الأقوى"، ومَن فى النهاية يحكم ويتحكم، وتعرض المؤلفة نظرية للفيلسوف النمساوى أوتوفينجر، ليس من الصعب أن تبدو ذات طابع عنصري، يؤكد فيها التشابه بين المرأة واليهود، حيث يشترك الاثنان فيما يزعم أنه "المادية والمكر والخديعة"، نظراً لتعرضهما للاضطهاد والقهر عبر التاريخ! ولا تقلّ كريستين كيلر الجاسوسة البريطانية الصهباء خطورة عن سالومي.. فقد أطاحت فضيحتها بحكومة بريطانيا العظمى ذات يوم. وفى فصل آخر من هذا الكتاب المثير، تُبرز الكاتبة سلمى قاسم جودة شخصية كريستين دوفييه أو "عاهرة الجمهورية"، وهذا عنوان الكتاب الذى حمل قصة حياتها وعلاقتها الساخنة مع أهم وزير فى حكومة الرئيس الفرنسى الراحل ميتران، وهو وزير الخارجية رولان دوماس، وما زالت القضية مثار جدل ونقاش أمام القضاء الفرنسى حتى الآن. وفى بعض الفصول الأخرى من كتاب "الحريم والسلطة"، يدخل القارئ العالم الباهر للإمبراطورية العثمانية وسلاطينها، مثل السلطان عبد الحميد ، ويطالع ملوك الأردن، ثم العراق والسعودية، فالأسر الحاكمة فى إيران، بداية من أسرة الكاجار، ووصولاً إلى حكم آل بهلوي، وغرام الملوك بين مصر وإيران، ويتقصى القصص والخفايا السرية لزواج الجمال والسلطة بين الأميرة فوزية سليلة الجمال العثمانى الفاتن شقيقة الملك فاروق، وشاه إيران محمد رضا بهلوي، ثم حكاية غرامه وزواجه بثريا أصفنديارى بختياري، وأخيراً آخر زوجاته فرح ديبا. كذلك يرصد الكتاب حكايا أمراء أفغانستان فى بدايات القرن العشرين، عندما كانت كابول تبدو وكأنها عاصمة أوروبية.. ثم يصل إلى ما يدور فى مصر، فيتعرض لعروش ونعوش آخر ملوك مصر فاروق، وكيف تحولت صورته لدى الناس من الصبى الوسيم ذى العينين الناعستين، إلى ملك بدين، بليد الحس، مسكون بالنهم، غارق فى شهواته حتى النهاية. وإذا كان كتاب سلمى قاسم جودة قد ضم قائمة طويلة من النساء الشهيرات.. الفاتنات.. الخطرات، فقد تحدث أيضاً عن رجل واحد، استعمل نفس الأساليب الأنثوية الجنسية فى السيطرة على الإمبراطورية الروسية العظمى.. إنه راسبوتين، الرجل الأسطورة، الذى أدرك خطورة دور النساء فى الوصول إلى السلطة المطلقة، فكان يقول: "هكذا أعمل على أن تقع النساء تحت وطأة رجولتى التى لا تقاوم!"، وقد كانت النساء فى كثير من الأحيان وراء صعود تلك النماذج إلى أعلى المناصب. وتشير الكاتبة سلمى قاسم جودة إلى أن الشهوة والسلطة والانتهازية فى الحب منذ عصر الحريم وحتى يومنا هذا تيمة راودتها كثيراً فى هذا الكتاب، مما جعلها تتوغل فى سراديب الماضى والحاضر، العامرة بالحكايات المثيرة، وأحياناً بالقصص الفاضحة والفادحة، المفعمة بالبهجة والأسى والرغبة، لأشهر الشخصيات التى عبرت التاريخ، تاركة عطر فضيحة صاخبة لا يذبل أبداً.arabonline