البيع الآجل في بقالات عدن بالريال السعودي    حكومة تتسول الديزل... والبلد حبلى بالثروات!    احتراق باص نقل جماعي بين حضرموت ومارب    عنجهية العليمي آن لها ان توقف    إقالة رشاد العليمي وبن مبارك مطلب شعبي جنوبي    إستشهاد جندي جنوبي برصاص قناص إرهابي بأبين    مدرسة بن سميط بشبام تستقبل دفعات 84 و85 لثانوية سيئون (صور)    الإصلاحيين أستغلوه: بائع الأسكريم آذى سكان قرية اللصب وتم منعه ولم يمتثل (خريطة)    من يصلح فساد الملح!    تربوي: بعد ثلاثة عقود من العمل أبلغوني بتصفير راتبي ان لم استكمل النقص في ملفي الوظيفي    البرلماني بشر: تسييس التعليم سبب في تدني مستواه والوزارة لا تملك الحق في وقف تعليم الانجليزية    السياغي: ابني معتقل في قسم شرطة مذبح منذ 10 أيام بدون مسوغ قانوني    السامعي يهني عمال اليمن بعيدهم السنوي ويشيد بثابتهم وتقديمهم نموذج فريد في التحدي    شركة النفط بصنعاء توضح بشأن نفاذ مخزون الوقود    نجاة قيادي في المقاومة الوطنية من محاولة اغتيال بتعز    التكتل الوطني يدعو المجتمع الدولي إلى موقف أكثر حزماً تجاه أعمال الإرهاب والقرصنة الحوثية    مليشيا الحوثي الإرهابية تمنع سفن وقود مرخصة من مغادرة ميناء رأس عيسى بالحديدة    جمعية التاريخ والتراث بكلية التربية تقيم رحلة علمية إلى مدينة شبام التاريخية    النصر يودع آسيا عبر بوابة كاواساكي الياباني    اختتام البطولة النسائية المفتوحة للآيكيدو بالسعودية    "الحوثي يغتال الطفولة"..حملة الكترونية تفضح مراكز الموت وتدعو الآباء للحفاظ على أبنائهم    شاهد.. ردة فعل كريستيانو رونالدو عقب فشل النصر في التأهل لنهائي دوري أبطال آسيا    نتائج المقاتلين العرب في بطولة "ون" في شهر نيسان/أبريل    وفاة امرأة وجنينها بسبب انقطاع الكهرباء في عدن    13 دولة تنضم إلى روسيا والصين في مشروع بناء المحطة العلمية القمرية الدولية    هل سيقدم ابناء تهامة كباش فداء..؟    هزة ارضية تضرب ريمة واخرى في خليج عدن    الهند تقرر إغلاق مجالها الجوي أمام باكستان    سوريا ترد على ثمانية مطالب أميركية في رسالة أبريل    مباحثات سعودية روسية بشان اليمن والسفارة تعلن اصابة بحارة روس بغارة امريكية وتكشف وضعهم الصحي    صدور ثلاثة كتب جديدة للكاتب اليمني حميد عقبي عن دار دان للنشر والتوزيع بالقاهرة    فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    غريم الشعب اليمني    جازم العريقي .. قدوة ومثال    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثلاثي المحيّر .. جدلية العقل والعواطف والغرائز
نشر في الجمهورية يوم 25 - 02 - 2010

كما كشف علم النفس ثلاث طبقات في الوعي وما تحت الشعور وما فوقه، كذلك كشفت البيولوجيا ثلاثة أدمغة داخل جمجمة كل واحد منا. وهي ثلاث عوالم لا ترجمان بينها وهو يفسر جنون الإنسان وغرابة تصرفاته أحيانا، مما جعل مثل الباحث دان أريلي (Dan Ariely) يصدر كتاباً بعنوان التفكير يساعد ولكنه في العادة لاينفع؟ وقد أظهرت دراسات علم النفس عن دورة خاصة للعواطف في الدماغ مثل دورة التنفس والدورة الدموية، مما شق الطريق لابتكار علم جديد لتحديد الذكاء الإنساني هو الذكاء العاطفي (Emotional Intelligence)..
رقصة سالومي في التاريخ:
في مطلع القرن الأول الميلادي دفع أحد الأنبياء العبرانيين حياته ثمناً لرقصةٍ أدتها (سالومي)، فحاكم فلسطين في ذلك الوقت (هيرودوس) وقع في فضيحةٍ جنسية، حينما أصر على الاقتران من (هيروديا) زوجة أخيه (فيليبس) التي وقع تحت سحر جاذبيتها، على الرغم من تحريم الشريعة المعمول بها في فلسطين في تلك الأيام، ولكن الفضيحة الأفظع كانت مع ابنتها هذه المرة، فحينما وقعت عيناه على الفتاة المراهقة التي تضج بالأنوثة انساق خلف شبقه، فأراد الوصول إليها بأي ثمن وبعلم أمها، ولكن لكل سلعةٍ ثمناً، وكان الثمن هذه المرة دم ورأس نبي.
كانت فلسطين يومها تئن من دفع الضرائب لخزانة روما، وكان التوتر يسود المجتمع اليهودي، بين غليان شعبي ومؤمرات اغتيال وشعور بالاحتلال من الجند الوثني الروماني، ويروي التاريخ أن هيرودوس تعرض لمحاولة اغتيال من مجموعةٍ من المتطرفين، رأت أن أفضل وأسرع وسيلة للتغيير الاجتماعي هي بالتقرب إلى الله بدمه؟!
الراقصة سالومي ورأس النبي وضباب الشهوة:
في هذه الظروف المتوترة واعتراضات النبي على المخالفات الأخلاقية تم اعتقاله وإيداعه السجن. وتنقل الأحداث التاريخية أن هيرودوس غلبه السكر في إحدى حفلاته الماجنة، وإذ ضاع رشده بين أبخرة ضباب الشهوة والفتاة شبه العارية ترقص بين يديه، قام وحلف رمزاً لإعجابه بالرقصة أن يعطيها كل ما تريده، فطلبت رأس النبي السجين؟ فاغتمّ الملك، ولكن من أجل الأقسام والمتكئين معه أمر أن تعطى ما طلبت؟ فأرسل الجند إلى النبي المحبوس في السجن؛ فأحضر رأسه على طبق، ودفع إلى الصبية فجاءت به إلى أمها (1)؟!
أي سر عجيب داخل دماغنا؟ وأي جدلية محيرة بين الغرائز والعقل؟ وأي صراع لا يقف بين الشهوات والعقل؟ وما هذا المرجل المتفجر في كياننا الذي وصفه الحديث الشريف (من يضمن لي بين لحييه وجنبيه أضمن له الجنة)....
إننا حقاً مزيج نادر ومعقد ومحير، وقصة مصرع هذا النبي نموذج وضحية لهذا اللون من التناقض، يضاف إليه موكب المنافقين المتحلقين حول الحاكم، فمأساة الحاكم في العادة مزدوجة بين حلقتين محكمتين من المتملقين أو المتربصين به ريب المنون، وفقد الصادقين الناصحين.
متى كانت الحرب عقلانية ؟!!:
في صيف عام 1939 م يقول الفيزيائي الألماني (فيرنر هايزنبرغ) حين رأى سحب الحرب تغيم سماء ألمانيا، ففعل ما يقوم به راكب السفينة عندما تبدأ العاصفة تطوق مصير السفينة، من شد الأحزمة وترتيب الحقائب، والاستعداد للسباحة في الماء البارد؛ فبحث أولاً عن مكان لعائلته في جبال بافاريا، تكون منطقة أمان لهم عندما (تهدم المدن) الألمانية ولا يبقى حجر على حجر؟!
والأمر الثاني كانت زيارة توديعية لأصدقائه في المجال العلمي، قبل أن يفرق بينهم الموت بمنجل، فمارس إله الحرب رعد وأبرق؟ وطبول الحرب بدأت بالقرع؟
فقام برحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الزيارة التي فاجأ بها عالم الذرة الايطالي (انريكو فيرمي) صُعق من موقف العالم الألماني (هايزنبرغ) عندما صارحه بتوقعه للحرب العالمية قريباً وتصميمه على العودة لأرض الحرب ألمانيا؟
سأله فيرمي: من سينتصر في الحرب يا ترى؟ أجاب فيرنر هايزنبرغ بهدوء: الحلفاء وسوف تخسر ألمانيا الحرب؟!
فيرمي: وكيف بنيت حكمك هذا؟
هايزنبرغ: الحرب اليوم تحسمها التكنولوجيا!! وهتلر يعرف ذلك تماماً، وأرجو أن يكون قد استوعب هذه الحقيقة!! ولكن يا عزيزي فيرمي متى كانت الحرب عقلانية؟!!
فغر فيرمي فاه من الدهشة، وهو يحدق بالعالم الألماني الذي يخترق حجب المستقبل، ويتوقع هزيمة بلده ببرودة علمية، وأردف سائلاً: وماذا ستفعل الآن هل ستعود إلى ألمانيا أم ستبقى هنا؟
جواب هايزنبرغ كان مزلزلاً: سأعود إلى ألمانيا حتى أبني بلدي بعد الحرب وأنشئ مجموعة من الشبان العلماء؟!
ويحاول فيرمي ثنيه عن عزمه في البقاء في الولايات المتحدة بلد الحرية والإمكانات واللجوء السياسي من كل أنواع الاضطهاد والضيق الأوربي والفاشية والتعصب العرقي.
ولكن جواب هايزنبرغ حمل الكثير من عبرة الفهم الاجتماعي الإنساني، أن الإنسان في فترة حياته الأولى يُشَكِّله المجتمع ويُكَوِّن عقليته، ويصبح الإنسان كأفضل ما يكون تأثيراً في هذا الحيز، فإذا تجاوز هذه المرحلة ضاعت منه هذه الفرصة، ولا يعرف مرارة الغربة إلا من يعانيها، ومن يخسر وطنه يخسر كل شيء كما يقول المثل .
قال هايزنبرغ: (لقد ولد كل منا في بيئة محددة وله حيز لغوي وفكري محدد وإذا لم يحل نفسه مبكرا من هذه البيئة فسوف يترعرع كأحسن ما يكون في هذا الحيز وأنه سيمكنه التأثير فيه كأحسن ما يكون)(2) .
اللاعقلانية الإنسانية المحيرة :
هناك نموذج ثانٍ على أن الإنسان، يدلل على أنه لا يتصرف بعقلانية في أخطر الأمور على الإطلاق، التي هي الحرب، فقد انطلق العسكري (فيكتور فيرنر) في كتابه عن (الخوف الكبير) المحيط بالجنس البشري من احتمال حرب عالمية ثالثة، فالحرب الباردة أغلقت ملفها فضلاً عن الساخنة، ولكن هذا حصل فقط في مستوى شريحة الطبقة الأولى في العالم، التي تمتلك العلم والثروة والتكنولوجيا والقوة العسكرية، أو المعروفة بالدول الصناعية السبع التي تقود دفة العالم حالياً، وبدافع الخوف وليس من خلال التأصيل الأخلاقي، بمعنى أن الضغوط العلمية لوحدها هي التي دفعت العالم لدخول عتبة السلم، ولكن المخاوف لن تطوق برمتها إلا في حالة واحدة؛ كما دعا إلى ذلك المؤرخ البريطاني (أرنولد توينبي) في كتابه (الإنسانية من أين والى أين) في مرافعة عن الضرورة الحيوية والإنقاذية للجنس البشري في بناء دولة عالمية، تنهي والى الأبد مشكلة الجوع والحرب على سطح الكوكب الأرضي.
والكاتب والعسكري الفرنسي (فيكتور فيرنر) انطلق من مخاوف من هذا النوع، في محاولة لفهم الجذور البيولوجية للعدوان عند الإنسان، كما فعل عالم السلوك والانثروبولوجي النمساوي (لورنز)(LORENZ) بدراسة هذه الظاهرة عند الحيوان، فالمفاتيح البيولوجية قد زرعت وغرست بإحكام في كياننا منذ ملايين السنين.
قام الجنرال فيرنر باستعراض شيق لظروف وملابسات نشوء حروب مروعة، مثل حرب 1870 م والحروب العالمية؛ فوجدها قد اندلعت في لحظات يأس، أو تعب ملك، أو انفعال وزير حربية، أو ذلاقة لسان سياسي مفوه، أو استجابة لنزوة جنسية، أو تحت ضغط زوجة ملك مدللة، أو حالة استخفاف نفسية بحجم الكوارث المقبلة، كما كان في قرار الحرب العالمية الأولى الذي كان مفاجئة غير سارة للعالم الغربي الذي يتنعم بخيرات الأرض ويستعمر شعوبها على ما حكاه الفيلسوف البريطاني(برتراند راسل) الذي وصف شعور المفاجأة لنشوب الحرب العالمية الأولى خلافاً للثانية التي اعتبرها تحصيل حاصل.
كانت الحرب العامة الأولى للفيلسوف البريطاني (برتراند راسل)( RUSSEL BERTRAND -) انهياراً للعالم العظيم الذي وصلت إليه الحداثة والفكر التنويري للنهضة الغربية، كما كانت مؤشراً لأفول الغرب عند الفيلسوف والمؤرخ الألماني أوسفالد اشبنجلر (OSWALD - SPENGLER) الذي أرَّخ لهذه الظروف بكتابه العملاق (أفول الغرب)
(DER UNTERGANG DES ABENDLANDES).
اليرقان (أبو صفار) مصدره الخوف ويزال بخوفٍ أشدَ منه ؟!
مازلت أذكر وأنا طفل صغير مفاهيم عجيبة منتشرة في بيئتي، من أمثال عدم إلقاء الماء الساخن على الأرض كي لا ينزعج الجن سكان العالم السفلي، وأن الإفراط في العلم يقود إلى الجنون!! وأن سبب اليرقان (اصفرار العينين) مصدره تعرض المريض لرعب شديد، وحتى يمكن انتشاله منه فلا بد من تعريضه لرعبٍ أشد، كإخباره بأمر يجعله ينهار رعباً، من موت زوجته واحتراق طفله الوحيد وخسارة كل ما يملك.
ومازالت ذاكرتي تحمل صورة وجه ذلك المريض الكردي الذي جاء إلى والدي في دكانه الذي يعمل فيه يطلب النصيحة، وأنا متعجب من لون سحنته ومظاهر الضعف عليه، وكيف أن الأفكار حامت حول أفضل طريقة رعب ممكنة، يمكن مساعدته بها ويمكن إدخالها إلى أحشاء المريض كي ينفك من عقال المرض؟!!
المرجل النووي: الغريزة الجنسية؟!
هذه الأمثلة الثلاثة عن الشهوة وجنون الحرب والخوف، تصب كلها في خانة واحدة من العالم الذي يغلي في عالمنا الداخلي، فنحن نسبح بين غرائز شتى من الإحساس بالجوع والعطش أو تدفق الشهوة، فالشهوة الجنسية تمثل ضرورةً حيوية، والكف عنها يعني التوقف عن الإنجاب، والطبيعة بهذا تضحك علينا في صورة من الصور، وهي تقدم لنا هذه الشهوات مثل الدواء الممزوج بالسكر، فلولا هذه المتعة القصوى التي وصفها الإمام (أبو حامد الغزالي) القديم في كتابه (إحياء علوم الدين) بأنها من أعظم المتع الأرضية؛ ما حنَّ الإنسان ومال واشتاق إلى الزوجة شريكة الحياة، ولا ممارسة الحب مع مخلوق لم يعرفه من قبل، ولا حمل معاناة ومسؤولية لانهاية لها من إنجاب الأطفال والإشراف عليهم، فالطبيعة جبارة في غرسها فينا مثل هذا المرجل النووي، الذي لا يشبع حتى يجوع من جديد، ولا يرتوي حتى يثور مطالباً هل من مزيد؟ فهي قوى مخيفة مغروسة فينا لا طاقة لنا بانتزاعها، ولا حيلة بيدنا في إمكانية استئصالها، لأنها مربوطة بقوى الحياة الأساسية التي هي المحافظة على النوع وانتشاره وتكاثره، وهي مرتبطة بدورها بقوى الحياة المتدفقة التي تفوق قوى الهدم والموت والانحلال في الطبيعة، لأنها تستمد طاقتها من الله الحي الذي لا يموت مصدر الحياة (الذي خلق الموت والحياة).
هذه القوى كونية تتدفق في مفاصل الكون أياً كانت، سواء في مستوى الإنسان أو الحيوان أو حتى النبات، فالقرآن عمم فكرة الزوجية في الوجود كلها (سبحان الذي خلق الأزواج كلها) (ومن كل شيءٍ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) وعرضت الأفلام التاريخية قصص عجائبية لا تصدق من احتيال الرهبان على العزوبية ومحاولة الاتصال الجنسي، لعل أشهرها وأكثرها مأساوية قصة الراهبة التي حملت سفاحاً من رجل عشقها، وكلفها هذا أن حُبست في ظروف العصور الوسطى، في غرفة مغلقة الجدران من الطوب ولا منفذ لها سوى ميزابة صغيرة لإدخال الطعام وسحب الفضلات، عقوبةً لها لاستجابتها لداعي الإثم والخطيئة، فالفكر المسيحي ينظر لممارسة الجنس بشعور الخطيئة، والإنسان يولد مغموساً بالخطيئة، ويحتاج للتعميد حتى قبل أن يعي الحياة وهو طفل، وكلها أفكار أقحمت على فضاء الفكر المسيحي من فكر المبشر النشيط (بولس) بشكل خاص كما ذهب إلى ذلك المؤرخ البريطاني ويلز في كتابه الشهير (معالم تاريخ الإنسانية) وحفظ ملف هذا القضية في أرشيف الفاتيكان، ولم يفرج عن هذه المخلوقة التعيسة إلا بعد عشر سنوات استطاع فيه جسدها الشاب، مقاومة ظروف الرعب هذه، لذا كان من الأسس الهامة التي قام عليها الإصلاح الديني في أوروبا (البروتستانتية) هو السماح للرهبان بالزواج حتى يهدئ هذا السبع الضاري الرابض في أحشاء كل منا.
ولعل أفضل الاقتراحات الأخلاقية التي تقدم بها الباحث الأخلاقي (ابن مسكويه) في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق) نصحه بتهدئة هذا السبع الضاري بأن تلقى إليه قطعة من اللحم عندما يستيقظ، أي أن يلبى سعار الشهوة عندما تقوم، ولكن حذار حذار من محاولة إيقاظه وبشتى المنبهات، كما تفعل مجلات الجنس التي لانهاية لها في كل بقالية وكشك في أوروبا وأمريكا، لأنه غضنفر جسور مرعب مفترس ذو أنياب فظيعة.
أوروبا التي تدفع فاتورة مرض الايدز اليوم ومعها العالم بفعل كثافة الاتصالات وتحول العالم إلى قرية صغيرة وتغير طبيعة الفيروس، كان من خلف ردة الفعل الرهيبة على الرهبانية القديمة، فبقدر كثافة الرهبانية وخنقها للغريزة الجنسية التي تشبه المفاعل الذري في تشرنوبيل، بقدر ما كانت ردة الفعل مكافئة معادلة متوازنة تاريخياً، فكان التدفق الجنسي إعصارا غير معقول ولا مفهوم لولا هذا التاريخ الفيكتوري الفظيع من التحجر والضغط والتابو الجنسي، في الوقت الذي كان العالم الإسلامي يشرح هذه القضية على يد جهبذ من جهابذة الفقه الأندلسي بكل بساطة تحت عنوان (طوق الحمامة) يستعرض فيها الإمام (ابن حزم) وهو الفقيه الورع القضية الجنسية كظاهرة طبيعية اجتماعية إنسانية للدراسة الميدانية بما فيها تجربته الشخصية.
عوالم سحرية: الغرائز اللاوعي الأحلام قوى خفية مجهولة:
نحن يكتنفنا عالمان في نفس اللحظة من الوعي واللاوعي، فخبراتنا التي نمارسها في الحياة اليومية من عشرات المهارات، من قيادة السيارة والكتابة وممارسة الجنس ومزاولة المهنة بل وحتى النطق، فنحن نتكلم ولكن لا نفكر بكيفية إخراج الحروف فهي تخرج بشكل آلي، ولو فكرنا لحظة واحدة بكيف نفكر لما استطعنا النطق، ويظهر هذا واضحاً مع الحفظ ، فالذي يحفظ بعض النصوص إذا فكر فيها ضاعت منه، والأفضل أن يجعلها تخرج تلقائيا بدون التفكير فيه، وفي اللحظة التي يحاول إدخال الوعي فيها تعثرت واضطربت، وهو ما يحدث معي أنا شخصيا في محاولة تذكر نصوص القرآن، وعندما يجعلها تتدفق لوحدها يراها تخرج وكأنها طابعة الليزر التي تحرج النصوص وهو يقف بحياد يتأمل خروج هذه النصوص من فمه بكل متعة، وكلها تتدفق من عالم اللاوعي الذي يعمل بدون تعريضه لسطح الوعي.
نحن ننام ولكن دماغنا لا ينام في مفارقة غير مفهومة، ظهر ذلك من خلال دراسة نشاط الدماغ بجهاز (ابتعاث البوزيترون)
(POSITRON - EMESSION - TOMOGRAM PET=) وهو بحث شيق سنعود له بشكل مفصل لاحقاً، بل وظهر خلال النوم أن العيون تتحرك بما يشبه الرادارات وتسجل نقلة نوعية للروح، فهناك عالم كامل من المنامات يحتاج لبحث مستقل.
قد تكون المنامات تعبيراً عن اللاوعي المخبأ فيتنفس عبر المنام، كما شرح ذلك عالم النفس لبريطاني (هادفيلد) عندما رأى تجلي العقد المكبوتة في الأحلام أو الأمراض العصبية عندما يتهاوى الاتزان النفسي (3) ولكنها قد تكون تجلياً رائعاً منعشاً للروح عندما يستيقظ الإنسان على منام يفتح له نافذة على المستقبل، أو يربطه بحدث يبعد عنه آلاف الأميال، وهي ظاهرة موجودة عند البشر تزيد وتنقص، وحدثت معي شخصياً العديد من المرات ولا أعرف تفسيراً عقلياً لها (4).
نحن كما نتمتع بالوعي واللاوعي فهناك ملكة أخرى تظهر في حالة الوعي من الملكات الخفية المخبأة فينا، كما كتب في ذلك الكاتب الأمريكي اللامع (كولن ويلسن)(5) عن القوى الخفية فينا وأشار إلى ظاهرة التليباثي (التخاطر من بعد Telepathy) وهي الحادثة المنسوبة لعمر بن الخطاب (ر) عندما كان يخطب في المنبر ليقطع خطبته وينطق جملة لم يفهم الناس منها حرفا (يا سارية الجبل الجبل) أو كما ذكر حسن العشماوي الذي اختفى في صعيد مصر في المنطقة الصحراوية عدة سنوات أيام حكم عبد الناصر عن رؤى من هذا النوع (6)وهي المعروفة اليوم ب (علم النفس الموازي)(PARAPSYCHOLOGY)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.