في عيد العمال العالمي من عام 2010 م جنَّت باريس مرتين؛ المشرعون الفرنسيون والأصوليون من المسلمين حول النقاب، فأصبحت عقوبة المرأة التي تضع النقاب فتبرز العينين من المحجرين 15 ألف يورو والحبس سنة, بما يرفعها إلى مستوى الجنايات، وبالمقابل لا يزداد اتجاه التدين إلا تشدداً وغلواً، فقد رُفعت قضية على شاب جزائري قد تزوج من أربع فتيات فرنسيات، وأنجب منهن (درزن) من الأولاد؛ فهو يتعيش براتب مجزي من الدولة الفرنسية، التي تعين العوائل والأولاد بمال مخصص للأطفال، وهو نظام أعرفه من ألمانيا في رحلة التخصص, حيث كان يأتيني راتب إضافي للأطفال، في مجتمع يتناقص وينقرض، مقابل كثرة أولاد الأجانب. لقد أصدرت مجلة “در شبيجل” الألمانية في أحد أعدادها في صورة الغلاف مع العلم الألماني وقد ارتسم فوقه الهلال الإسلامي، معلناً عن تحول ألمانيا إلى جمهورية إسلامية, فعدد الألمان يتناقص، وعدد الأتراك يزداد، وسيكون عدد الأتراك عام 2030م أكثر من سبعة ملايين من الأنفس. ويقال إن بعض المدن مثل آخن اختلت فيها النسبة جداً بين الألمان والمسلمين، وهو ما يذكرني بمونتريال في كندا، فبعد لعنة الاضطهاد السياسي في بلدان الشرق الأوسط، زحف الكثيرون من الهاربين يبحثون عن مأوى لعائلاتهم في الغرب؛ فألقوا بأنفسهم بين الدببة القطبية وسناجيب شجر القيقب، في أحضان الثلج والبرد والبعد، طمعاً في حياة أفضل. وهذه الهجرة تحمل معها الثقافة، وهي المشكلة التي تورطت فيها فرنسا وأوروبا، بالسماح بنمو غيلان الديكتاتوريات في العالم العربي دون تقليم الأظافر والأنياب لوحوش السيرك، فجاءهم (الهاربون) كأنهم جراد منتشر من جملوكيات الرعب والبطالة والفقر والقذارة إلى عقر دارهم في حركة مقلوبة. إن فرنسا والدول الأوروبية عموماً تجدف ضد التيار، فنسلها ينقرض, والوضع الديموغرافي ينقلب لصالح انتشار الإسلام، وحالياً في فرنسا تعتبر اللغة العربية الثانية بعد الفرنسية, فلا يخشى عربي سائح من الضياع, ولن يوقف شيء هذا المد العرمرم، ومحاولة فرنسا صد وفرملة وتحجيم الاتجاه الإسلامي هو مثل الذي يريد وقف دورة القمر وشروق الشمس. إن ما يدفع الإسلاميين في الزحف إلى أوروبا هو مجموعة من العناصر، ولكن في رأس القائمة مسألة الحريات، وكل مؤتمر أو نشر فكر حر أو مجلة مهمة فهي هناك في أرض الضباب والبرد، وحالياً يهرب إلى الغرب كل قلم حر الفكر، فيأخذ الجنسية السويدية، أو من الدومينيكان كما أعرف ذلك من صديق لي، وهناك من أخذ الجنسية الأرجنتينية ولم يبق فيها سوى ساعة، وهناك من تزوج فتاة اسبانية على الورق مقابل تأمين الإقامة، وهناك من بقي أياماً معدودات في كندا وحصل على الجنسية، وهي أمور تعرفها الحكومات المعنية، ولكنها تقول سوف أحظى بأولاده من بعده، والآن أمواله. وفعلاً فقد أنفقنا من الأموال جبلاً من ذهب، حتى حصلنا الهجرة وجواز السفر، ومعها شعور الأمان من جملوكيات الخوف والبطالة. إذن مسألة النقاب والحجاب، هي رأس جبل الجليد للمعركة الدائرة هناك.. ويجب على المسلمين أن يؤكدوا المسألة التي جعلتهم يفرون من بلادهم إلى بلاد الحريات والديموقراطيات؛ الحرية. وعليهم أن يتحدوا مع قوى الحرية في فرنسا؛ فيقولوا لجنود ساركوزي ومن والاه، إن المسألة تدور حول الحريات، وفي قناعتي ومن أجل إسقاط أي قانون ظالم أن تمشي مظاهرتان من النساء، كما فعلت بنكهورست عام 1912م من أجل تحصيل حق المرأة في الانتخاب، واحدة تلبس الحجاب الكامل تحدياً للقانون، والثانية تلبس الأمر مقلوباً بشبه عري، حتى يرى المجتمع الفرنسي أن القضية تدور حول الحريات أكثر من الثقافات واللباس خلعاً ولبسا.