إن المواقف التي تصادفنا في حياتنا هي التي تكشف لنا معادن من هم حولنا والمعادن منها الجيد ومنها الرديء فقد نظن أننا نعرف أشخاصاً حق المعرفة حتى يأتي موقف ما تسقط معه الأقنعة وتكشف زيف ما كنا نعتقد لذا حتى ذواتنا ومعادننا نحن ممكن أن نكشف عنها لأنفسنا وذلك عندما تضطرنا الظروف والمواقف أن نكون بين خيارين أحدهما هو خيانة مبادئنا وضمائرنا وقيمنا والآخر هو التمسك بتلك المبادىء رغم أننا قد نخسر الكثير عندها فقط سنعرف حقاً نوعية المعدن الذي يسكننا لأن المعدن الغالي يظل غالياً..ونقياً وقيماً أما من يتبع هواه وينسى قيمه ومبادئه فإن ذلك دليل على هشاشة معدنه...ونحن الآن في فترة الاختبارات الوزارية للشهادتين الأساسية والثانوية يتجلى فيها معدن الكثيرين وتسقط الأقنعة عن كثير كان الظن بهم أنهم مثال للوطنية والوفاء وذلك عندما يبيع كل هذا بقليل من مال يخسره قيمته بين الناس...أحب أن أسأل كل معلم ومعلمة وكل من يشارك في خيانة وطنه بتسهيل عملية الغش كيف تحول نفسك من معلم له قيمته ومكانته إلى غشاش تلعب بك الفلوس وتحط من قدرك؟ كيف تتعامل مع ضميرك وأنت تخون وطنك وتغدر به؟ كيف تحول نفسك من وسيلة بناء إلى أداة هدم؟ في أول يوم للمراقبة قالت رئيسة أحد المراكز الامتحانية للجميع: أرجو من الجميع أن يحرصن على عدم الغش وعلى الأقل أن نتساوى في الظلم فلا يجوز أن تفتح لجان وتغلق لجان, ورغم عدم قناعتي بفلسفتها إلا أنني بادرتها بقوة ( الغش خيانة وطنية) ولا يجب أن نعمل على المساواة في أمر كهذا ، المعلم الذي يسهل عملية الغش يحط من قدره ويجب أن يعاقب وبشدة، كم كنت أتمنى أن تكون الأخت رئيسة المركز أكثر حزماً في رفض الغش وأكثر قوة في التهديد والوعيد بعقاب من يتهاون أمام الغشاشين لكن تظل آلية اختيار رؤساء المراكز الامتحانية عجيبة وغريبة بالنسبة لي. في اللجان فوجئت..كم ثقافة الغش تعترينا.؟! ..كم تسيطر علينا فالطالبات يدخلن القاعة والغش وارد في مخيلتهن بل تجد من قد تهيأت له وأعدت العدة لذلك ويبقى الباقي على نوعية المراقبة أو الملاحظة....كم ساءني جداً أنه في كل عام أجد المواقف نفسها تتكرر ونفس الرغبة والتصميم لنخون أنفسنا ورغم أن هناك تحركات قوية لمحاربة الغش من قبل الوزارة ومنها تغيير في إدارات المراكز الامتحانية إلا أنها قد تبوء بالفشل طالما والرغبة كامنة في النفوس للغش وممارسته. بجوار المركز الامتحاني محل تصوير تتناثر حوله قصاصات الأوراق الناتجة عن عمل البراشيم وكل هذا أمام مرأى ومسمع المجتمع ولم يحرك أحد ساكناً بل إن مسئولي مكتب التربية يترددون على هذا المحل ويلاحظون هذا الشيء لكن يبدو وكأن الأمر لا يعنيهم.. أشعر بالأسى على وطني الجميل المعطاء الحنون أشعر بالضيق لأن هناك أيادي قبيحة تسعى لتشويهه تسعى لجعله يستمر في حالة الضعف والهوان، فالغش هو استمرار للضعف لأن ما ينتج عنه هو تمرير للعاجزين والفاشلين والمتقاعسين إلى مواقع لا يستحقونها فنجد لدينا المعلم الفاشل والطبيب الغبي والمهندس العاجز والمرتشي والسارق والخائن.. إن الغش الذي يحدث في المدارس كارثة كبرى ومسئولية محاربتها لا تقتصر على وزارة التربية فقط بل هي مسئولية جماعية فكلنا يجب أن نرفض ونحارب ولا نداري ونقول للغشاش..غشاش في وجهه ولينل عقابه ليكون عبرة للجميع...في منطقتي لم أسمع عن عقاب ما لأي غشاش رغم أن الجميع يمارس الغش وفي وضح النهار ما يدل على أن أكثر قرارات الوزارة تظل في الأدراج. فإذا أردت أخي القارئ أن تعلم نوع معدنك وهل أنت مخلص ووفي هل أنت مواطن صالح.. هل تستحق هذا الوطن والانتماء إليه فما عليك سوى أن تتأمل خياراتك في مواقف كهذه.