إن المتتبع للأحداث والمتغيرات والظواهر والتقطعات والاختطافات التي تتوالى وتتنامى كل يوم وما يقابلها من سكوت أو تشفٍ أو تجاهل أو استسهال من قبل المجتمع وعقلائه ومنظمات المجتمع المدني ومجلس النواب والشورى وقيادات الأحزاب السياسية وأجهزة الدولة يُصاب بالدهشة لما يحدث من شعب بأكمله يلتزم الصمت وينتظر الكارثة.. السكوت على العبث والفوضى والعنف يكاد يكون دليل رضا من الجميع عن ما يحدث من قبل هذه الجماعة أو تلك, كما أن عدم حسم الموقف وإيقاف التداعيات المقلقة بقوة النظام والقانون أمر يدعو إلى الريبة والتساؤلات, وكيف يمكن تفسير ذلك من قبل أصحاب الشأن والقرار والسلطات المحلية؟!. دائرة العنف وجغرافية الشر تتسع يوماً بعد يوم في مقابل زيادة الصمت الشعبي والرسمي كأن الأمر لا يعنيهم, متناسين أن الشر لا يستثني أحداً, سيأكل الجميع إن خرج عن السيطرة وتضاءلت قدرة الأجهزة المعنية في مكافحته وإخماده. سيتحول “لا قدر الله” إلى مصدر جذب لكل الناقمين على الأوضاع والحياة وكل العاطلين ومن لم يجد العمل الشريف والأمن والاستقرار المعيشي والنفسي والاجتماعي, سيجد هذا الطريق ربما أسهل الطرق إلى الكسب والارتزاق!!. الورم يعالج بالحسم والدواء السريع وقوة إرادة المصاب في التخلص منه ومنعه من الانتشار حتى لا يتحول إلى ورم خبيث يستفحل؛ ثم بعد ذلك يستعصي علاجه أو استئصاله. المترفون في بلادنا الذين يتسترون على الفوضى والعنف يعتقدون أن العلاقات الطيبة والمصالح التي تربطهم بجماعات القاعدة والتخريب والعنف أو قطّاع الطرق أو المتعهدين بزعزعة الأمن وتقويض الاستقرار الاجتماعي في وطننا أو تجار الحروب والسلاح ستبقى على حالها تحت سيطرتهم وتوجيههم واستغلالهم ضد هذا الطرف أو ذاك, وهم بذلك واهمون. يبدو أن هؤلاء لم يقرأوا التاريخ, أو أنهم يجهلون إلى حد كبير تاريخ الشر في مسار الإنسانية وما يخص المجتمع اليمني من ذلك التاريخ الدموي على وجه الخصوص, متناسين أيضاًً خصوصية المجتمع اليمني وحبه اللا متناهٍ للفوضى الخلاقة والأزمات الكارثية في حالة استفحال الشر وتحوله إلى واقع معيش. الشر إذا قويت شوكته وكثر أتباعه لابد أن يطال الجميع, البسطاء والمترفين, الرعية, والمشائخ الأقوياء والضعفاء, السادة والعبيد, كبار القوم وصغارهم, العامة أو أصحاب الأبراج العالية, الفقراء والأغنياء, يلتهم حتى أصحابه ودعاته وقادته ورعاعه. المشاهد المحزنة التي راح ضحيتها أبرياء لا ذنب لهم وأبطال بواسل وشجعان صمدوا واستبسلوا في ميدان الواجب والكرامة ورحى الحرب وعندما عادوا إلى أسرهم وأطفالهم وأحبتهم كان الشر لهم بالمرصاد, نال منهم وباغتهم بالغدر والقتل بالقرب من مناطقهم وعلى بعد كيلومترات من ذويهم, أي ذنب ارتكبه هؤلاء, قتلهم قطّاع الطرق, الخارجون عن الدين والملة والنظام والقانون بلا رحمة, المجتمع لايزال على صمته وغفوته؟. آلة العنف ودعاة الشر حصدوا أحد عشر قتيلاً من رجال الأمن والمواطنين الأبرياء في قلب مدينة عدن المسالمة الآمنة في الأسبوع الماضي, كان الاعتداء قد طال مقر الأمن السياسي. إن الشر والعنف يعطيانا رسالة جديدة مفادها أن القادم سيكون أفظع, والساكتون عن الشر هم وقوده وضحاياه لا محالة, كم من مشاهد مرت والقادم سيكون أشد وأنكى!!. مثلما علمنا التاريخ أن الإصلاح والبناء والنهوض والتطور والأمن والاستقرار والتنمية تراكم حسن وأعمال خيرة وطيبة وإضافات تخدم الإنسان, تطور حقيقي ملموس في وعيه وتفكيره, علمنا أيضاً أن العنف والشر والتخريب والتدمير وفقدان الأمن والاستقرار وزيادة معدلات التخلف والفوضى هو أيضاً تراكم لكنه سيئ الفعل والسمعة, لا يخدم الإنسان ولا يساعده على الحياة الكريمة. يسعى ذلك الشر وتلك الفوضى إلى خلق واقع بئيس متأزم ومجتمع مشلول فاقد لكل مقومات الحياة, فهل نترك مجتمعنا ينحدر إلى هذا الجحيم, نمارس الصمت, معتقدين أنه سبيل النجاة وهو في الحقيقة بداية الكارثة؟!. يا معشر العقلاء ورجال الخير ورهبان الحق والحكمة ودعاة المحبة وعظماء التاريخ إن كان بقي لهم في مجتمعنا وجود وبقية, لا تتركوا الشر يستفحل, إنكم صمام أمان الحياة في مجتمعنا اليمني, فهل إلى استيقاظكم من سبيل؟!. [email protected]