لم يعد الغش في الامتحانات سلوكاً فردياً لعدد من الطلاب والطالبات يمكن محاصرته والسيطرة عليه، ولكنه تحول إلى ثقافة مجتمع وظاهرة عامة يزداد انتشاراً مع مرور الأيام وهو ما ينذر بكارثة حقيقية بجيل بأكمله وتؤدي إلى آثار سلبية يصعب تجاوزها إذا لم تتضافر الجهود الرسمية والشعبية لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة من أجل طمس معالم هذه الثقافة المشوهة ومحوها من المتمسكين بها والمدافعين عنها وخلق ثقافة واعية في أوساط المجتمع بالأضرار القاتلة لهذه الظاهرة والجريمة التي نرتكبها بحق أنفسنا وأبنائنا ووطننا، وبغير وعي كامل وقناعة راسخة للتخلي عن الغش فإنه سيبقى الآفة الأكثر فتكاً بالمجتمع.. ماجرى من أحداث خلال أيام الامتحانات العامة للشهادتين الثانوية والأساسية أشبه بحرب دائرة طرفاها مجتمعان يتقاتلان من أجل ما يؤمنان به رغم الفرق الشاسع بين غاية وأهداف الطرفين. فالطرف الأول هم الأمل وحملة مشاعل التنوير من أصحاب الضمائر الحية المتمسكين بالمبادئ والقيم الأخلاقية والدينية السامية الذين ينشدون الخير والصلاح لوطنهم وأمتهم المدافعين عن شرف العلم من أجل حماية أبنائهم وبناتهم حتى لايكونوا ضحية داء الغش ويرون في ظاهرة الغش وبقائها وانتشارها على هذا النحو المخيف بمثابة استهداف للوطن وتدمير مبرمج للأجيال القادمة مثله مثل ظاهرة تعاطي المخدرات فكلاهما يستهدف تدمير الشباب وإفراغ عقولهم من كل ماهو مفيد ونافع حتى يسهل السيطرة عليهم ويصبحوا أداة منقادة بيد غيرهم ولا همّ لهم إلا تحقيق مصالحهم الشخصية وأهوائهم ولو كان على حساب الوطن والأمة.. أما الطرف الآخر فهم المتأخرون على الوطن الحاقدون على أبنائه من أصحاب الأفكار السوداء والضمائر المتعفنة.. المتسلقون على اكتاف الآخرين، غايتهم وأهدافهم التي يسعون لتحقيقها تبرر الوسائل التي يتبعونها لا همّ لهم إلا مصالحهم الشخصية ومنافعهم الآنية ولو كان الثمن تدمير جيل بأسره فهم دعاة شر وخراب يسعون في الأرض فساداً وهم يحسبون انهم باعتمادهم على الغش ودعم بقائه يحسنون صنعاً. نعم أيها السادة إن الحرب الأزلية قائمة بين الطرفين: الخير والشر، الحق والباطل، العدل والظلم، الأمانة والخيانة، الصدق والكذب، الصلاح والفساد، الضمائر الحية والضمائر المتعفنة ... الخ وعلينا أن نحسن الاختيار وفي أي طرف نكون وإلى أية فئة ننحاز، ومن هنا نبدأ ومن هذه المعركة في حرب الامتحانات يكون خيارنا وقرارنا والمرء حيث يضع نفسه، وكم هو مخزٍ ومعيب أن نرى مسؤولاً يستغل منصبه لإيصال ورقة غش لابنه أو ابنته داخل قاعة الامتحان أمام أعين الآخرين،وكم هو مخزٍ ومعيب أن نرى أفراد اللجان الأمنية يحملون أوراق الغش لأولاد النافذين دون حياء أو خجل وكم هو مخزٍ ومعيب أن يتخلى المربي الفاضل والمربية الفاضلة عن أماناتهم ويبيعوا ضمائرهم ويسيئوا لشرف وقدسية المهنة التي يعملون بها.