ظاهرة الغش في الامتحانات.. سيما النهائية للمرحلتين الأساسية والثانوية أخذت في الأعوام الأخيرة أساليب باتت تشكل خطراً على مستقبل التعليم والتعلم ومن تلك المخاطر انتشار أمية العلم. وأذكر هنا أن العدد الكبير من مخرجات التعليم الأساسي وكذا الثانوي أشبه بالأميين تعليمياً نظراً لاعتمادهم على عملية الغش التي صارت تمارس بأساليب وطرق عديدة.. ويعد القائمون عليها والمنتفعون منها عدتهم دون إدراك لمن يمتهنون الغش أنهم يجنون على مستقبل الغشاشين أولاً ثم على العملية التعليمية برمتها وأحب أن أشير في هذا السياق إلى أن من اعتمدوا على الغش في الامتحانات الأساسية تواجههم صعوبات كبيرة إذا ما قرروا التوبة عن الغش والتحقوا بالتعليم الثانوي كما أن من تمكنوا وحالفهم حظ الغش في الثانوية العامة يواجهون مصاعب جمة سيما في امتحانات القبول بالجامعات.. حيث تفرز نتائج القبول نسبة أحياناً تصل إلى 20 % من إجمالي عدد المتقدمين للالتحاق بكليات الجامعات.. ومن هنا ندرك تبعات ممارسة الغش في الامتحانات. في جلسة جوارية حول ظاهرة الغش في الامتحانات العامة المنتشرة في أرجاء الوطن وتأخذ النصيب الأوفر في القرى والمديريات خارج إطار مراكز المدن.. برزت تلك الظاهرة أشبه بالكارثة على مستقبل التعليم في بلادنا.. كون عملية الغش سيما في عزل بعض المديريات تمارس بكل يسر وسهولة وتبرز خلالها الخيانة بأبلغ مسمياتها.. هناك من يطرح تواطؤ القائمين على مراقبة الامتحانات.. ولو بثمن بخس.. وهناك من يطرح بأن متقدمين للاختبارات لم يسبق لهم حتى الاطلاع على المنهج الدراسي.. أو حتى مراجعة أي كتاب من المنهج المدرسي والنتيجة أنهم يحصدون النجاح دون أدنى وجه حق.. بمعنى أن مافيا الغش صارت أشبه بالأخطبوط وأن القائمين عليها يفتقدون لكل القيم الوطنية والأخلاقية. وهم بما يقدمون عليه من أفعال إنما يلحقون الضرر بالصرح التعليمي وبمستقبل الأجيال. ومع التسليم بأن هذه الظاهرة الخبيثة ليست جديدة إلا أن آثارها التدميرية على مستقبل طلابنا صارت اليوم أخطر من أي وقت مضى.. إذ أثرت حتى على مستوى التحصيل العلمي والتعليمي للطلاب بشكل عام.. إذ لم يعد الطالب المنتظم دراسياً وتحصيلياً على قناعة بنتائج جهده وحصيلة تعليمه طالما رأى على طاولات الامتحانات من يغش بكل أريحية ويحصد نتيجة أفضل منه. ولعل من المفيد هنا أن نعود بالذاكرة إلى فترة الستينيات وحتى السبعينيات.. حيث كانت رقابة الضمير سمة المعلم المراقب بسر الامتحانات والقائمين عليها والمنظمين لها وكانت عملية الغش تصنف كجريمة أخلاقية حيث يتعاطى الطلاب مع من يمارسها بأسلوب مغاير لما هو عليه اليوم ويعتبر من يغش منبوذاً من محيط الفصل والمدرسة والمنزل وحتى المجتمع رغم أن من يدخل الامتحانات في تلك الفترة.. كان من الملتحقين بالدراسة ومن المؤصلين في الفصول الدراسية.. وليس كما يحدث في الوقت الراهن.. واستطيع التأكيد هنا أن طالب الصف الرابع الابتدائي في تلك الفترة كان يجيد التعليم والقراءة والفهم والإملاء.. كما في مستوى الصف السابع وحتى الثامن من التعليم الأساسي. إن الوقوف بمصداقية وأمانة أمام واقع العملية التعليمية يقتضي من كل التربويين، ومن كل الآباء والأمهات ومن القيادات التربوية والتعليمية ومن مؤسسات المجتمع المحلي والمدني أن تحمل مسئولياتها في تدارك وضع التعليم ودراسة أسباب الاختلاف القائمة ومعالجتها.. كون مخرجات التعليم سواء الأساسي أو الثانوي وحتى العالي لا تبشر بالخير فالدول والشعوب تقاس حضارتها ونهضتها بمستوى التقدم في الجوانب التربوية والتعليمية.. وليس عيباً أن نعترف بأخطائنا وبهبوط مستوى التعليم لدينا.. إنما العيب كل العيب أن نصر على الاستمرار في الأخطاء ولا ندرك إفرازاته السلبية على مستقبل تطور وتقدم اليمن الأرض والإنسان. هذه الهموم والملاحظات أردنا أن تكون مثاراً للنقاش والبحث عن حلول لها ونعتقد جازمين أن القيادات التعليمية تدرك تبعاتها وإيلاءها أولوية الحلول ضرورة لابد منها قبل فوات الأوان واتساع حجم كارثتها على مستقبل أجيالنا ووطننا.