مع بزوغ الفجر، تتكرر في شوارع العاصمة المؤقتة عدن مشاهد الطوابير الطويلة لمواطنين يحملون أسطواناتهم الفارغة بحثًا عن الغاز المنزلي، في رحلة يومية شاقة تختصر حجم المعاناة التي أثقلت كاهل الأسر وحوّلت أبسط الاحتياجات إلى عبء مرهق. ففي هذه المدينة التي أنهكتها الأزمات الخدمية وغلاء المعيشة، لم تعد أزمة الغاز حالة طارئة، بل تحولت إلى مشكلة مزمنة تضاعف معاناة السكان، حيث تتبدد الوعود الرسمية عند أول طابور انتظار، ويبقى الواقع أسير الشح والازدحام. ومع استمرار الأزمة، ارتفعت أسعار أسطوانات الغاز في بعض المحطات والسوق السوداء، ليجد المواطن نفسه بين انتظار طويل قد ينتهي بلا غاز، أو شراء بأسعار تفوق قدرته المحدودة. وأمام هذا الواقع، تتعالى مطالب المواطنين بحلول جادة تنهي فوضى التوزيع وتضع حدًا لتكرار الأزمة، فبين بيوت بلا نار وأسر تنتظر وجبة ساخنة، تبقى أزمة الغاز في عدن عنوانًا لمعاناة يومية مفتوحة. مهمة شاقة يختصر المواطن محمد الشاذلي من سكان مديرية التواهي مشهد الأزمة بعباراتٍ مثقلة بالتعب، مؤكدا أن الحصول على أسطوانة غاز بات مهمة يومية شاقة، تتطلب ساعات طويلة من الانتظار في طوابير لا تنتهي، في ظل أوضاع معيشية خانقة وتراجع مستمر في مستوى الخدمات الأساسية. ويقول الشاذلي في تصريح خاص ل "الصحوة نت"، إن الأزمة لم تعد طارئة، بل تحولت إلى جزء من تفاصيل حياته اليومية، مضيفًا: "أغادر المنزل قبل شروق الشمس، وأقف لساعات طويلة على أمل الحصول على أسطوانة، وفي كثير من الأحيان أعود خالي الوفاض". ويشير إلى أن الغاز غالبًا ما يكون متوفرًا في السوق السوداء، حيث اضطر في مرات سابقة للشراء بأسعار مرتفعة لا تتناسب مع دخله المحدود، ما يضاعف من أعبائه المعيشية ويضعه أمام خيارات قاسية بين الانتظار الطويل أو الاستسلام للأسعار الملتهبة. من جانبها، عبّرت أم خالد، وهي من سكان مديرية كريتر، عن استيائها من تكرار الأزمة، مؤكدة أن المعاناة لم تعد ناتجة عن ندرة المادة بقدر ما هي نتيجة مباشرة لغياب التنظيم والرقابة في عملية التوزيع. وأوضحت في تصريح خاص ل " الصحوة نت "، أن الأزمة تتجدد في كل مرة بسبب سوء الإدارة والتلاعب الواضح بالأسعار والكميات، بينما يبقى المواطن البسيط هو الضحية الأولى، في ظل غياب ملحوظ للجهات الرقابية عن القيام بدورها. وطالبت أم خالد الجهات المختصة بسرعة التدخل ووضع حلول جادة ومستدامة تضمن انتظام عملية التوزيع، وتوفر الغاز بالسعر الرسمي، وتضع حدًا لمعاناة متكررة أنهكت كاهل الأسر، وحولت أبسط احتياجات الحياة اليومية إلى تحدٍ يومي لا ينتهي. أزمة مستمرة رغم البيانات الرسمية التي بثّت شيئًا من الطمأنينة، لم يتبدّل المشهد كثيرًا على أرض الواقع، فبعد إعلان الشركة اليمنية للغاز مطلع الشهر الجاري تسيير أسطول كبير من مقطورات الغاز إلى العاصمة المؤقتة عدن وعدد من المحافظات المحررة، ظلّت الأزمة تراوح مكانها، وكأن الوعود تصطدم يوميًا بطوابير الانتظار الطويلة ومعاناة المواطنين المتكررة. وكانت الشركة قد أعلنت حينها، على لسان مديرها التنفيذي المهندس محسن بن وهيط، إطلاق 461 مقطورة غاز باتجاه عدنوالمحافظات الجنوبية والشمالية المحررة، مؤكدًا أن الكميات المنقولة تكفي لتعبئة أكثر من مليون وثمانمائة ألف أسطوانة غاز منزلي، وبما يسهم في تغطية الاحتياج وإعادة التوازن للوضع التمويني. غير أن هذه الأرقام الكبيرة لم تنعكس إيجابًا على حياة المواطنين في عدن، إذ يؤكد عدد من السكان ل" الصحوة نت"، أن الكميات التي وصلت إلى المحافظة كانت محدودة، ولم تفِ بالطلب المتزايد، مشيرين إلى أن بعض محطات التعبئة فتحت أبوابها لساعات قليلة فقط قبل أن تعاود الإغلاق بحجة نفاد المخزون. ومع شح الكميات، عادت الأسعار للارتفاع من جديد، حيث أفاد مواطنون بأن محطات تعبئة باعت أسطوانة الغاز سعة 20 لترًا بسعر 10,000 ريال، بعد أن كانت تُباع ب8,500 ريال، وسط ازدحام خانق وطوابير تمتد لساعات، فيما واصلت محطات أخرى بيع الأسطوانة بأسعار تجاوزت 13,000 ريال في السوق غير الرسمية. وبين إعلان عن معالجات، وواقع يزداد تعقيدًا، تتعمق فجوة الثقة بين الشارع والجهات المعنية، لتبقى أزمة الغاز في عدن عنوانًا لمعاناة يومية مفتوحة، يدفع ثمنها المواطن البسيط، الذي لا يبحث إلا عن أسطوانة تعيد الدفء إلى بيته، ووجبة ساخنة إلى مائدة أطفاله.