استفاقت تعز الخميس على وقع جريمة استهدفت مقر التجمع اليمني للإصلاح في شارع جمال وسط المدينة الأكثر ازدحاماً بالسكان، على إثرها استشهد إثنين من قيادات إصلاح تعز المعروفين بنشاطهم المجتمعي والتربوي. الجريمة ليست مجرد حدث أمني عابر، بل امتداد لحملات تحريض ممنهجة استهدفت قيادات وكوادر الإصلاح بدأت منذ سنوات وتصاعدت وتيرتها في تعز خلال الأشهر الماضية، وأسفرت الجريمة التي لاقت إدانات واسعة عن مقتل ثلاثة وإصابة 13 آخرين، بينهم أطفال ونساء. وأعلنت وزارة الداخلية أمس الجمعة، أن الأجهزة الأمنية ضبطت 14 متهمًا في الجريمة الإرهابية التي وقعت بالقرب من مقر إصلاح تعز. ووفق مركز الاعلام الأمني "فإن أجهزة الشرطة بمحافظة تعز باشرت فتح تحقيق واسع واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في الجريمة الإرهابية". بيان نعي نعى إصلاح تعز اثنين من قياداته التربوية والاجتماعية، استشهدا إثر التفجير الإرهابي الذي استهدف مقره. وقال في بيان النعي إن الشهيدين إبراهيم الشراعي ومحمد مغلس "ارتقيا في جريمة بشعة تستهدف الحزب وأمن المدينة وسلامها الاجتماعي". ووصف البيان الشهيدين بأنهما "كانا من القيادات الفاعلة، وقامتين تربويتين، ومعلمين فاضلين تتلمذ على أيديهما أجيال من أبناء تعز، وأسهما بصدق وإخلاص في بناء العقول وترسيخ القيم، إلى جانب دورهما الاجتماعي والسياسي البارز". وقال عبد الباسط الحميري، زميل الشهيد محمد مغلس، "أن الشهيد مغلس كان مثال يحتذى في الخلق الكريم والعمل الدؤوب. فقد كرس جهده ووقته للعمل الاجتماعي والتطوعي، من خلال متابعة المؤسسات والجمعيات الخيرية لتقديم الدعم للأسر الفقيرة وكفالة الأيتام ورعاية أسر الشهداء والجرحى". وأضاف في حديث ل"الصحوة نت"، " كان الشهيد مغلس يتحمل النقد والكلام الجارح بصبر وجلد، ويواجه الإساءة بالإحسان، مبتسمًا دائمًا، ولم يثنه تشكيك الآخرين عن أداء دوره الإنساني والاجتماعي". كما برز اسم الشهيد إبراهيم الشراعي (1978-2025) كأيقونة لهذا الفقد الموجع، والذي عمل على إدارة مدرسة عمار بن ياسر في أصعب الظروف، وحمل على عاتقه مسؤولية استمرار التعليم رغم الحرب وشح الإمكانيات حتى آخر لحظة من حياته. لم تقتصر إسهامات "الشراعي" على الإدارة التعليمية، إذ كان شعلة من النشاط الاجتماعي والخيري، نادرًا ما تفارق وجهه الابتسامة رغم قسوة الظروف وكثرة النقد. عُرف بتواضعه واجتهاده، وكان شخصية اجتماعية مؤثرة في محيطه. مأساة المدنيين امتدت فاجعة التفجير لتطال مدنيين أبرياء من المارة، حيث قُتل الطفل هشام محمد أحمد عبد الله (5 أعوام)، وأصيب آخرون بجروح متفاوتة، بينهم نساء وأطفال كانوا عائدين من مدارسهم إلى منازلهم. ماري (13 عاما) أصيبت إصابات بالغة إثر انفجار العبوة الناسفة أثناء عودتها من مدرسة الشهيدة نعمة رسام للبنات التي تقع على امتداد شارع جمال، حيث كان التفجير الإرهابي في ذروة حركة المارة. وأفاد والد الطفلة عارف عبد الله -على فيسبوك- "خضعت ابنتي لثلاث عمليات جراحية في منطقة البطن لإخراج الشظايا وفي يدها لإصلاح كسر وإعادة الوتر والعصب وفي الرأس" وقال: "الظالمين لا يهمهم أرواح الأبرياء". أثار التفجير موجة غضب وإدانات واسعة. وقال محافظ تعز الأسبق علي المعمري "أن هذا العمل الإجرامي يهدف إلى النيل من السلم الأهلي وإرباك المشهد الوطني في ظروف وطنية حساسة". ودعا السلطات الكشف عن ملابسات الجريمة وملاحقة المسؤولين وتقديمهم للعدالة. وشدد المعمري على أهمية تعزيز التلاحم بين كافة مكونات المحافظة للحفاظ على أمنها واستقرارها، مؤكدًا قدرة تعز على تجاوز المحن بوعي أبنائها ونضال رجالاتها. التحريض على الإصلاح يأتي هذا الحادث الدامي كحلقة جديدة ضمن مسلسل طويل من الاستهداف الممنهج الذي يتعرض له حزب الإصلاح، وتشكل حملات التحريض المستمرة ضد الحزب أرضية خصبة لتنفيذ العمليات الإرهابية، حيث تساهم حملات التشويه في تهيئة الرأي العام لقبول العنف والتصفية الجسدية. وقال رئيس إعلامية إصلاح تعز، أحمد عثمان "الارهاب تنفذه ايادي شريرة وتشارك فيه ادوات تمتهن التحريض"، وأضاف -في منشور على فيسبوك- "يتعرض الإصلاح لتحريض ممنهج وغير مبرر بسبب نهجه الوطني الثابت". رغم سلسلة الاغتيالات المنظمة ومحاولات استهداف عقوله السياسية، ظل حزب الإصلاح ملتزمًا بمبادئه الوطنية والقانونية، محافظًا على استقرار الوطن ومصالح الشعب، ومثبتًا أن الإرهاب لن يفلّ مشاريعه الوطنية. وأعرب التكتل الوطني للأحزاب السياسية عن تضامنه الكامل مع التجمع اليمني للإصلاح، مشدداً على أن استهداف المقرات الحزبية والقيادات السياسية وتعريض المدنيين للخطر يمثل تهديداً مباشراً لأمن المجتمع. وحذر من خطورة خطاب التحريض والتخوين ومهاجمة القوى السياسية، وقال في بيان "هذا الخطاب لا يقل خطورة عن الجريمة نفسها، لما له من دور في تأجيج العنف وتهيئة البيئة لمثل هذه الأعمال الإرهابية". من جانبه قال نائب رئيس إعلامية الإصلاح، عدنان العديني "أن الجريمة التي استهدفت تفجير المقر وقتل قياداته قد سبقتها حملات تحريضية وخطاب كراهية وتخوين، مهّد الطريق لمثل هذه الجرائم ولسفك دماء الأبرياء". وأضاف -على منصة "إكس"- "التطبيع مع هذا الخطاب الخطير يفتح الباب أمام مزيد من العنف، ويحول الخلاف السياسي إلى خطر حقيقي يهدد الأبرياء ويهدم نسيج المجتمع"، ولفت "هذا استهداف للمجتمع ككل، وليس للإصلاح".