إن المتتبع للأخبار الصحفية التي تؤكد بين الحين والآخر إحباط أمن المطارات في بلادنا للعديد من محاولات تهريب الآثار والمخطوطات اليمنية القديمة؛ دون أن تُحدث تلك الأخبار أو الصدمات رد فعل اجتماعي ورسمي لإنقاذ ذاكرة الإنسان اليمني من العبث والمتاجرة يصاب بالدهشة والاستغراب!!.. في الأيام الماضية تناقلت أيضاً وسائل الإعلام العربية والدولية أخباراً تفيد بأن مجموعة كبيرة من المخطوطات والآثار اليمنية تُباع في مزادات وأروقة وأرصفة العالم بسخرية غير مسبوقة، متسائلة: هل يُعقل أن يبيع شعب من الشعوب ذاكرته؟!. المناطق والمواقع الأثرية المتوزعة في ربوع اليمن ظلت عرضة للنهب والسرقة من قبل مافيا الآثار التي ينضوي تحت أجنحتها سماسرة ومحترفون ومشايخ وزعماء قبائل ومسؤولون ورجال مال وأعمال وتجار ومرتزقة وجيش جرار من المكذوب عليهم والباحثين عن الثراء السريع اللاهثين خلف بريق الدولار ولو على حساب العرض والأرض والكرامة والذاكرة والتاريخ؛ في دراما ساخرة يشاهدها الجميع، ولا تجد لذلك الفعل الشنيع ردة فعل من أحد, إنهم يسخرون من ماضي وحاضر ومستقبل اليمن الأرض والإنسان!!. المجتمع اليمني هو المعنى الأول في الحفاظ على آثاره وحراستها وحمايتها من النهب والإتجار بدلاً من وقوفه متفرجاً على عصابات ومافيا نهب وسرقة الآثار؛ الباحثين عن الثراء السريع ولو كان على حساب إنسانيته وتاريخه وكرامة وذاكرة وطنه وشعبه. الحكومة تقوم بواجبها الدستوري والقانوني في حراسة وحماية المواقع والمناطق الأثرية حتى الآن؛ لكن على استحياء وخجل، والدليل على ذلك هو أن مناطق ومواقع أثرية مازالت حتى يومنا هذا عرضة للنهب والتنقيب عن التحف والكنوز الأثرية المطمورة وسرقتها, لا توجد حراسة أو حماية عسكرية وقانونية تردع أولئك المتجرئين على المجتمع والتاريخ والدولة. المبكي والمضحك في آن واحد هو أن تُعرض تلك الآثار والمخطوطات في أسواق العاصمة وعواصم المحافظات الأخرى أمام أعين الحكومة والمجتمع وعشاق التاريخ وعلماء الآثار وجمعيات التاريخ وخبراء المتاحف والمخطوطات وطابور طويل من الصحافيين والكتّاب, صمت فظيع وتناسٍ مفجع لقدسية الوطن وتاريخه وذاكرته, لا يعبّر عن مجتمع حي يحس بقليل من الألم أو ردة فعل تدل على اليقظة والانتباه!!. التاريخ المكتوب والمنحوت والمطمور ثروة المجتمع وكنوز الأجيال القادمة وذاكرة شعب وهويته الإنسانية والحضارية, إنها أكثر أهمية من النفط والغاز, لو عرفنا حقه وقدره وقيمته وأهميته لحولناه خلال السنوات الماضية والقادمة إلى أهم وأكبر مصدر للدخل الوطني, دون أن يقاسمنا تلك الثروة وذلك الدخل أحد. إنها ثروة وطنية مائة في المائة, من خلالها سننمّى وننهض ونطور حاضر مجتمعنا، وتغني وتكفي وتعز أجيالنا في المستقبل, تقيهم شر الاستجداء وانتظار هبات وحسنات الآخرين من الأقرباء والبعداء, إننا نملك ثروة عظيمة لا ندري حتى الآن قيمتها وأهميتها المادية والمعنوية. تاريخنا وآثارنا ومخطوطاتنا هي عنوان كرامتنا، ومن خلالها يعرف العالم ملامح شخصيتنا وبُعدنا وأثرنا وإضافاتنا الحضارية, لا يجب التهاون مع لصوص ومهربي وتجار ومافيا الآثار اليمنية, في الوقت نفسه لابد للدولة من اتخاذ خطوة مهمة في طريق الحفاظ على تلك الثروة. وتحويل المواقع الأثرية إلى متاحف محمية بالقوة والقانون في نفس المكان بدلاً من نقل التحف والكنوز والمخطوطات إلى العاصمة صنعاء والتمركز فيها وفي عواصم المحافظات, بينما تبقى تلك المواقع عرضة للنهب والسرقة, لأنها ثروة سائبة لا أحد يحميها أو يهمه أمرها!!. الآثار والمخطوطات بحاجة إلى مؤسسات تؤمن بقيمتها وأهميتها؛ ولذلك فإن إعادة النظر ضرورية في تلك الجهات التي تتوزع هذه الثروة الوطنية دون علم وإدراك ومسؤولية, نريد تلك المؤسسات أن تتحول إلى حارس أمين ومسؤول عن آثارنا ومخطوطاتنا ومواقعنا التاريخية والأثرية بدلاً من بقائها في مربع المشاهدة السلبية لما يجري من عبث وتطاول وبيع لذاكرة الإنسان اليمني بشكل غير مسبوق. بقي سؤال حيّرنا جميعاً وهو: لماذا لا تقوم الحكومة بما لها من صفة قانونية ودستورية بجمع التحف والمخطوطات المتناثرة والمتوزعة في خزائن المسؤولين ومن كان لهم علاقة بالآثار والمخطوطات، وإداراتها أو الإشراف عليها وعلى مؤسساتها وخزانة الجامع الكبير في صنعاء وزبيد وصعدة سعياً إلى تحويلها إلى متحف وطني يضمها ويهتم بها حتى لا تضيع وتتلف بسبب الجشع والإهمال وانتظار من يدفع أكثر, بعض تلك المخطوطات والآثار قد تحولت إلى إرث أسري عند بعض الأسر تقسّم بشكل سافر بين الأبناء والأحفاد، وهكذا؟!. أليست تلك الآثار والمخطوطات ثروة وطنية لا يحق تملكها من قبل هذا أو ذاك, لابد أن تُجمع وتصان من قبل الدولة؛ لأنها المعنية بذلك والقادرة عليه بدلاً من التفريط بها ومشاهدة ما حلّ ويحل بمصيرها وضياعها وتهريبها إلى خارج الوطن لتُباع على الأرصفة والمزادات؟!. من يحمي ذاكرة اليمن وتاريخ اليمنيين وسجلهم الحضاري من العبث والفوضى والمافيا؟!. مدير أمن عدن.. رجل بحجم المسؤولية الأخ العميد عبدالله قيران، مدير أمن عدن؛ شخص نال احترامه ولايزال بسبب تواضعه مع الناس واحترامه للمواطن، وتقديره لكل من يجد فيه روح المسؤولية، وتلك ميزة يُشكر عليها، تطلبه في أي وقت ليقول لك: سأتابع الأمر بنفسي. وفعلاً تجده كما يقول من خلال ما تلمس من عمل وتفانٍ يُشكر عليه.. فله التحية والتقدير.