قلنا إنه على مدى تاريخ طويل من متاهات الاجتهاد وتداخلات العوامل الذاتية والموضوعية، وتنكُّبات البحث عن أجوبة ناجزة لأسئلة ما ورائية لا يمكن الإجابة عنها؛ تمّ تسطير «التلمود» اليهودي بتنوعاته الكثيرة ليكون بمثابة الكتاب السري للفرق والمذاهب اليهودية التي وإن تفارقت في تأويلاتها إلا أنها استندت إلى الفكرة المركزية التي حدّدت الهوية اليهودية التاريخية بوصفها ديناً يتصل بالعرق اليهودي، وبالتالي أصبحت الديانة اليهودية ديانة عرقية لا تتسع لغير «شعب الله المختار» ممن يعتبرون بقية العالم عبيداً لهم. وفكرة عبودية الأغيار «غير اليهود» ليست فكرة تراثية خبت واندثرت، بل إنها تتجدد مع تجدد الاجتهاد اليهودي التلمودي المنطلق من جوهرية فكرة الشعب المختار، فالتلمود المتجدد يضع بعين الاعتبار الثابت والمتغير.. والثابت في تلك الاجتهادات مركزية النوع اليهودي على بقية العالم، ففي «بروتوكولات حكماء صهيون» الشهيرة تتجسّد هذه النظرية من خلال الاشتغال الرأسي لليهود على جني المال، والاستئثار بالمعرفة، بالترافق مع اعتقاد جازم أن من يمتلك سلطتي المعرفة والمال يجعل الأغيار عبيداً له.. تتجلّى اليوم هذه الحقيقة من خلال تبعية المال الدولي لمركزية الدولار، وهي مركزية تعكس في أُفق ما المكانة التاريخية لعائلة «روتشيلد» اليهودية التاريخية التي كانت أول من أسس بنكاً في العالم، وبالاستتباع أصبحت تجارة المال والصرف تخصصاً يهودياً بامتياز. وما نراه من تشبيك عالمي للمال الدولي يعكس هذه الحقيقة، ولكن هذا الموضوع يحتاج إلى بيان شامل سنأتي عليه لاحقاً، غير أن ما نود التأكيد عليه هنا هو أن فكرة عبودية الأغيار المستحوذة على العقل اليهودي التقليدي تعني تماماً أن اليهود سادة العالم.